القدمــــــوس.. خــــــزان جـــــمال يشـــكو واقــع الحــــال..تجربة «متفرّدة» في حمايــــة الأمــــــلاك العامــــة ومشـــاريع داعمــة تحتاج للدعـــم
العدد: 9389
الأربعاء 17-7-2019
لم يكن عبثاً اختيار السوريون الأوائل للقدموس كوجهة تشهد عليها آثارهم الباقية حتى الآن، ولا اختيارها كموقع لأولى مشافي الصدر في سورية نظراً لجوها العليل والنقي حيث شيد مشفى القدموس الضخم في خمسينات القرن الماضي، وعلى الرغم من قسوة الطبيعة وصعوبة وصول المياه والخدمات الأخرى لقرى عديدة من القدموس، والأضرار العديدة التي تصيب مواسمهم الزراعية كل عام، وبالأخص محصول الدخان الذي تعتمد عليه الكثير من العائلات بقي أبناؤها عصيين صامدين، وبقيت القدموس بمحمياتها الطبيعية وسوقها الأثري وناسها الطيبين الذين قدموا العرق والدم والعلم دوماً للوطن ينتظرون الاهتمام الحكومي اللائق الذي يستحقونه، والذي لم يصل للمطلوب حتى اللحظة، فما زالت القدموس ورغم بناء جامعة الأندلس الخاصة ومشفاها الجامعي بحاجة للمزيد، فيما يسعى مجلسها البلدي الذي ترفع له القبعة لتقديم أفضل الخدمات ضمن الإمكانيات المتوفرة لديه..
ضعف الإمكانيات
أحدث المجلس البلدي بالقدموس بتاريخ 7/12/1946 فهو من أوائل المجالس المحلية في محافظة طرطوس، وأصبح مجلس مدينة بقرار وزير الإدارة المحلية رقم 146/ن لعام 2011 وكان هذا الإحداث من أبرز التحديات، خاصة وأنه ترافق مع بداية الأزمة والحرب الكونية على سورية، فكما هو معروف هذا الانتقال من مجلس بلدة إلى مجلس مدينة يحتاج إلى إمكانات مادية وبشرية كبيرة، خاصة وقد ضمت إليها أكثر من 30 قرية ومزرعة، حيث تعتبر بلدية القدموس أن التحدي الأكبر هو ضعف الموارد المالية والملاءمة بين حجم الإيرادات وحجم النفقات التي تزايدت بمقدار لا يقل عن عشرة أضعاف، وفي كيفية إدارة هذا الميزان الخاسر نظرياً لتقديم أفضل الخدمات الممكنة للمواطنين (نظافة، إنارة، صرف صحي، طرق ..)
طبعاً ما تقدمه الوزارة والمحافظة من دعم كبير كان له الدور الأكبر في ردم هذه الفجوة العميقة، فيما تعاني القدموس كسائر المدن والبلديات من افتقارها لمحطات معالجة التي تقف عائقاً أمام تخديم القطاع بالصرف الصحي بالشكل الأمثل.
الرؤية التنموية
يرى أحمد أبو حسون رئيس بلدية القدموس في الشرح الذي قدمه خلال ورشة دعم المكاتب الفنية أنه يمكن التطلع للقدموس كوجهة سياحية مميزة نظراً لتوفر كل مقومات نجاح هذا الجانب فيها من مناخ وطبيعة خلابة، الأمر الذي يتطلب توفير بيئة مناسبة للتنمية والاستثمار وتأمين الغطاء القانوني لذلك، وقد قام مجلس مدينة القدموس باتخاذ قرار بإخضاع كافة أملاك وعقارات المدينة للنفع العام، كما قام بإعادة النظر ببدلات الاستثمار والإيجارات القائمةن وتعديلها بما يتوافق مع الواقع الراهن، وبعد ذلك وضع المجلس خطة استثمارية تتضمن المنطقة الصناعية على العقار 2042 من جهة مدخل القدموس الغربي على مساحة 40 دونماً، والتي يمكن الوصول لها عن طريقين، حيث تمّ تجهيز الدراسة للبنية التحتية وهي قيد التعاقد من قبل المحافظة، كما عمل المجلس على تجهيز مركز خدمة المواطن في الطابق الأرضي من البلدية.
مشاريع بالجملة
أيضاً هناك مشروع بناء مجمعين سكنيين الأول ضمن مدينة القدموس والثاني في مدخل المدينة الغربي عن طريق البناء وبالحصة مع القطاع الخاص، حيث تم الإعلان عن أحدهما والثاني تمّ رفع اقتراح للوزارة لتنفيذه بالحصة مع مستأجري العقار، كما يوجد مشروع فندق 3 نجوم وسط المدينة ضمن المخطط التنظيمي وفي موقع يطل على القلعة، ويقع على طريق بانياس – القدموس بجانب الشارع الرئيسي، والغاية منه تحقيق إيرادات للمجلس على مساحة 4230 م2 بعامل استثمار 1.8 بصيغة استثمار Botويحوي الموقع غابة صغيرة من أشجار الصنوبر ونبع ماء طبيعياً، كما أن هناك مشروع مسبح وحديقة ألعاب وكافتيريا والموقع ضمن مدينة القدموس في حي الرويس المطل على القلعة وأفق البحر وبنظام Bot أيضاً، أي يتكفل المستثمر بالتجهيز حتى المفتاح ، وصولاً لمشروع بناء كافتيريا وشقق سكنية صغيرة (سويتات) على سطح مساحته 370م2 فوق بناء المتضررين من القلعة بحيث يجهز كافتيريا ومطعم في الطابق الأول بمساحة 270م2 والطابق الثاني على مساحة 370م2 يجهز بحوالي 5- 6 سويتات تتراوح مساحتها بين 60-70م2، كما تسعى المدينة لإنشاء سوق هال وسوق للمنتجات الريفية والاستثمار حول القلعة، فيما كان التعاون مع المنظمات الدولية خجولاً في السنوات الماضية واختصر على تأهيل حديقة الريس وصيانة بعض مقاعد الحدائق فيما تتطلع المدينة وتأمل تنفيذ عدة مشاريع بالتعاون مع هذه المنظمات بمشاريع تتعلق بالإنارة بالطاقة الشمسية وبمشروع إعادة تأهيل سوق القدموس الأثري..
إغلاق مكب النفايات
أنهت بلدية القدموس مشكلة مكب القمامة التي تزيد عن عشرين عاماً عبر إغلاقه نهائياً بعد أن كان يتم تجميع النفايات يومياً فيه وكانت الطريقة الوحيدة للتخفيف من أضراره البيئية وتأثيره على الواقع السياحي للمدينة عمليات الطمر المستمرة للنفايات المكلفة جداً للمجلس البلدي ناهيك عن الروائح السيئة المنبعثة منه على الجوار وأشار أبو حسون أنه ومنذ عامين تقريباً كان قد جرى إغلاق المكب بشكل جزئي وبدأت عمليات الترحيل بشكل آني إلى معمل (وادي الهدة) على طريق عام طرطوس – صافيتا من خلال متعهد يقوم بترحيل يومي لها من ساحة تجميع في الموقع، أما اعتباراً من تاريخ 7/7/2019 فقد بدأت عمليات ترحيل القمامة التي تقدر بحوالي خمسة عشرة طناً يومياً عبر سيارات ضاغطة عدد (2) وحاويات حاضنة تحمي طريق العبور من تساقط الأوساخ عليه إلى معمل (وادي الهدة) وبشكل مباشر من موقع الترحيل الذي تم تجهيزه، والأهم أنه تم تعزيل المكب ووضع سواتر ترابية نوعاً من التجميل للموقع، كما بدأ المجلس أعمال تعزيل كل المكبات العشوائية في المدينة، وطالب أبو حسون الأهالي مساعدته لإنجاح هذه الخطوة عبر الالتزام بعدم رمي الردميات ومخلفات البناء في مكبات القمامة وإبقائها بعيداً عن القمامة، وترحيلها بالتنسيق مع مجلس المدينة إلى أماكن محددة، وعدم وضع القمامة مساء الخميس في المكبات، وإبقاؤها في المنازل والمحلات إلى مساء يوم الجمعة لعدم إمكانية ترحيل القمامة في هذا اليوم، كما تمنى الالتزام التام بمواعيد رمي القمامة من الساعة الثامنة مساء حتى الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي، تحت طائلة المسئولية وفق قانون النظافة، والإبلاغ عن أي حالة أو مخالفة انطلاقاً من المسؤولية المشتركة بين المواطن ومجلس المدينة، حرصاً على نظافة المدينة.
وخطوة تحسب للمجلس
قام مجلس مدينة القدموس بالإخبار المسبق عن عمليات إكساء قريبة جداً للطرق الحيوية والفرعية بالمدينة ليسارع من لديه أية أعمال صيانة أو حفريات ضمن جسم الطريق القيام بها قبل تلك العمليات الحيوية لأن من سيعمد إلى أية حفريات مستقبلية بعد عمليات الصيانة سيعرض نفسه للمساءلة القانونية عن انتهاك حرمة الأملاك العامة، وتسجل هذه الخطوة غير المسبوقة والتي لم تقم بها أي جهة عامة من قبل لمجلس القدموس الذي يقوم أيضاً بمتابعة أي شكوى توضع في صندوق الشكاوى الالكتروني على صفحة المجلس الفيسبوكية شريطة أن تكون محددة وباسم حقيقي غير مستعار كما يقوم بالرد خلال 48 ساعة على أبعد تقدير ما يميز أداء هذه المدينة وطبيعة ناسها ومصداقيتهم بالتعامل ويجعلهم تجربة تستحق التعميم على مستوى سورية.
القدموس باختصار
تعتبر القدموس من أقدم المعابر وأهمها فهي تربط الساحل بالداخل وتتوسط أربع محافظات (حمص، حماة، طرطوس، اللاذقية) وتتبع لمحافظة طرطوس وتبعد عنها 65 كلم كما تبلغ مساحتها 26955 هكتارا ويضيف أبو حسون أن عدد سكانها حوالي (60) ألف نسمة فيما ترتفع عن سطح البحر في أعلى قممها في جبل المولى حسن إلى 1150 م أما قلعتها فهي على ارتفاع 950 م، وتميز القدموس بطبيعتها الجبلية الساحرة وجبالها التي تكسوها غابات السنديان والصنوبر والبلوط وتنتشر على سفوحها الأشجار المثمرة مثل التفاح، اللوز، الزيتون وغيرها مكملة للغابات الطبيعية بمشهد رائع أخاذ يفوق الوصف بجماله، أما اسم قدموس فهو اسم علم مذكر فينيقي فمعناه القادم من الشرق وهو اسم لملك فينيقي هو ابن آجينور ملك صور أرسله والده إلى بلاد الغرب بحثاً عن أخته أوروبا التي اختطفها الإله زيوس فأقام في بلاد اليونان وعلمهم الأبجدية وبنى لهم مدينة ثيبه في القرن 15قبل الميلاد. منطقة القدموس منطقة أثرية مهمة حيث قامت فيها حضارات وثقافات كثيرة على مرّ العصور ولا تزال آثارها وثقافاتها باقية حتى الآن تحتوي على عدد من الكهوف الأثرية والمدافن وأهم الملامح السياحية قلعتها الأثرية (قلعة القدموس الشهيرة) والتي تعد رمزاً للمدينة التاريخية وأهم أثارها وتعتبر من أجمل القلاع الأثرية فهي صخرة طبيعية وجدت على مرتفع يعلو حوالي 1000 م عن سطح البحر ويتم الدخول إليها عن طريق بوابتها الرئيسية بدرج بدأت معالمه تزول ولم يبقى منه بنائها القديم سوى أجزاء من أبراجها وسورها.
رنا الحمدان