كــل فتـــاة بأبيها معجبـة ..

العـــــدد 9387

الإثنـــــين 15 تموز 2019

 

اشتقت لأبي الذي لن يرجع أبداً، ولن يأتي مثله أحد، فقد بحثت عنه في كل الرجال فلم أجده..
الحياة غير عادلة ولا منصفة وظالمة، فقد رحل والدي باكراَ عن هذه الدنيا، وتركني وحيدة رغم أن والدتي الطيبة بجانبي مع إخوة ثلاثة، وجميعهم يحبونني ويسعون لسعادتي، إلا أن شعلة حياتي انطفأت، وفقدت ذاك السحر الذي يشدّ طرفي له، وكل ما عهدته في نفسي تغير ولم يبق غير بصيص خافت يلمع في جوانب نفسي من حين لحين، وما أسرع أن يخبو فيترك القلب ظلاماً، فلم أر ولم أرض رجلاً يشاركني فيها لا يشبه أبي..
آلمني كلامها.. فتاة تنضح بالرقة والهدوء والجمال، مهندسة متفوقة ولها مكانتها الاجتماعية وحضورها، وقد تجاوز عمرها الخمسين، لم تتزوج رغم تقدم العشرات من الشباب لخطبتها، لكنه كما قالت العجفاء ودونه التاريخ من زمن بعيد (كل فتاة بأبيها معجبة) فهل هي كذلك اليوم؟

(الفتاة حبيبة أبيها كما قالت سهى) كان أصعب يوم في حياتي عندما ترك يدي ليمسك بها زوجي، وأنا ألبس فستان عرسي وطرحتي، كان قد قبلني بين عيني وقد رأيت دموعاً تكابر في مقلتيه، لم تكن فرحاً ولا حزناً، لقد نسيت أمي وكان همي وقتها أبي الذي بدا لي كطفل صغير، لم أشعر بوالدتي كذلك وكنت طفلة بعمر العشرين لم تدرس الحياة بعد، كنت أحس بحبه الشديد لي حتى أخي كان يغار مني، لقد أهداني بيتاً لأسكن قريبة منه، يزورني كل يوم ويجلب لي أغراضي كل وقت وهو من يربي ابنتي التي أتركها عنده لحين عودتي من العمل، ولطالما دفعني لأذهب وأرتاح ليأخذها بمشوار، وزوجي لم يكن يخالفه بل يشاركه الرأي في بعض الأحيان ويعود بها في المساء ولا يتركها له، أحياناً أحس بأن شداداً وخناقاً سيوقد بينهما، فكل منهما يشدها لجانبه وهي بغاية السعادة والفرح، لكن والدتي تساعدني لحل المشكلة وزوجي متفهم إلا أنه متعلق بابنتنا التي تعلم أنها مدللة بين الاثنين، وتأخذ نصيبها من السعادة ما يكفي لفتاتين بين أحضان الجد والأب ترتمي صغيرتي.
(يمكن تجي بنت.. وإن شا الله تجي بنت .. بكرا لو ختيرنا والعمر غيرنا ..بوشاحا تغمرنا ..وحدا اللي بتحملنا وبروح الصبي) أغنية لطالما سمعناها وقد فجرها السيد أكرم في وجهنا بعد السؤال: ثلاثة صبيان ولدت زوجتي ولم أكن أردها عن الإنجاب إلى أن أتت البنت، وكبر الأولاد وهجروا الدار بعد الزواج، كما تركنا ولدي الأكبر الذي ساندته بكل ما لدي لترسله زوجته إلى بلاد الغربة للعمل ورفدها بالأموال ونسي والده العجوز، لكن لا يهم وعندي مهجة قلبي حنين ولها من اسمها نصيب، فلطالما كانت تنتظر عودتي من (ثكنتي) العسكرية لتسرع بإحضار حذاء البيت وتنهمك بخلع (بوطي) وأنا أقبل يديها الصغيرتين وأرفعها إلي، كفراشة لونت حياتي بالفرح والبسمة، أصبحت صبية جميلة جامعية في السنة الأخيرة بكلية الطب التي وعدتني بها، وأخاف اليوم الذي يمكن أن يأتي وتتركني فيه، مع أنها طوال الوقت تقول إنها لن تترك هذا البيت ولا لأي سبب ولن تتزوج، أحس ببعض الفرح ولكنها سنة الحياة لها الحق في تكوين عائلة والعيش بعيداً عني مثل أمها التي تركتني لتتزوج بغيري ولا ألومها فقد عانينا بعض الصعاب، يرحل شباني الثلاث وتبقى لي صغيرتي مهجة قلبي.
تؤكد الدراسات الاجتماعية والنفسية إلى تعلق البنت بأبيها وبحثها الدائم عن رجل يشبهه، فهو لطالما شكل لها المثل الأعلى في الحياة، وترفض الزواج من رجل لا يملك ولو جانباً من الشبه مع أبيها، وقد أكدت الدراسات أن نسبة 7% من النساء لا تتزوجن على الإطلاق وترفضن حتى التفكير بالزواج ما لم يكن شريك المستقبل يملك أوجه تشابه مع أبيهن هذا على مستوى العالم، كما أتت الدراسات على أن 10% من حالات الطلاق يعود للأمر ذاته أي أن الفتاة تصاب بخيبة أمل كبيرة عندما تعثر على رجل تعتقد أنه سيعاملها كما كان والدها يعاملها..
رغداء خير بك، مرشدة نفسية: في الأمثال الشعبية قالوا: كل فتاة بأبيها معجبة، كناية عن تعلق البنت بأبيها، كونها أنثى ترغب بمن يؤمن لها الحماية ويكون مصدر قوتها، لتجد والدها الأقرب لها ويؤمن لها الأمر، تتعلق بأبيها أكثر من أمها، وبالعكس الصبي يتعلق بوالدته، تعجب بأبيها وتراه أجمل رجل في العالم، ويصعب عليها الارتباط إلا برجل يكون أقرب له يملك أكبر قلب في الكون، يزرع التفاؤل ويحل مشاكلها، يحب العمل ويجد لكسب لقمة العيش بكرامة ويزرع البسمة على وجهها دائماً هو رجل يستحق الاحترام والحب، ويكون رجلها إذا ما كان أشبه بأبيها في معاملته وشخصيته وصفاته وحتى شكله لتكون محظوظة.
أي فتاة دائماً وأبداً تنطلق من أسرتها تتأثر بسلوك أهلها وهو ما ينعكس على شخصيتها وشخصها، وبالتالي ينعكس على سلوكها اليومي وتعاملها مع الآخرين وكثيراً ما تتبنى كل شيء من أبيها بأفعال وأقوال فإذا ما قال: هذا جيد فهو من المؤكد جيد، حيث نرى الفروق الفردية تتوضح بين الأشخاص في المجتمع ومنه التنوع الذي يتلقاه الفرد والصفات الشخصية التي يمتلكها دائماً، حيث يأتي كل منا إلى الحياة بمهارات وقدرات وصفات وطباع، بالتالي هذا التنوع يميزه عن الآخرين وهو ما يخلق الاختلاف فيما بيننا، ودائماً ما نسعى للوصول إلى الصفات التي تكمل شخصيتنا.
إن مسالة اختيار شريك حياة بالنسبة لأي فتاة يجب أن يكون مبنياً على دراسة شخصية من الفتاة بحد ذاتها وليس عن طريق إملاءات الآخرين (الزواج التقليدي) ويقع المحظور.

تصفح المزيد..
آخر الأخبار