الوحدة:14-11-2024
كان مازال يغط في نومه وهو داخل بطانيته التي أعطاه إياها أحد الخيرين.
ونحن نتابع هذه الصورة المؤلمة، قال لي البعض من أهل المنطقة إنه منذ حوالي الشهر وهذا الطفل ينام هنا، أمام جامع العجان، بالشيخضاهر، بجوار كولبة سيريتل، وهو لايمدّ يده كي يستعطي، شاحب الوجه، أصفر، وسعاله يدل على مشكلة صحية يعاني منها.
تقدّمتُ نحوه، أشحتُ عن وجهه البطانية التي تغمره، قلت له:
صباح الخير عمي كيفك؟ قول لي
شو بدنا نفطر؟ شو بتحب تاكل؟
قال: أي والله أنا جوعان، بدي سندويشة بيض.
نهض..قام… ثم “شلف” البطانية تحت شجرة صغيرة بجوار المكان..
قلت له: ألا تخاف أن يسرقها أحد؟
قال لي: لا ..الدنيا أمان..
أعطاني إياها واحد، كتر الله خيره، منشان ماأبرد بالليل..
وجلسنا على درجة عريضة في مدخل (جامع العجان)، واستأذنني قليلاً كي يدخل على الجامع، لقضاء حاجة، ثم عاد.
قدّمتُ له نفسي أنني صحفي، وممكن أكتب عن حالته الملفتة التي لا أعرف سببها، ربما مَن يقرأها من المسؤولين أن يبادر ويساعده.
قال لي إذا هيك بدي شغل.. أريد أن اشتغل على (عربية جوالة)، أبيع عليها (بطاطا) وأسترزق. أنا هنا لا لأشحد، لكنني هربان من أهلي من حلب. أبي يضربني ولايريدني، وأمي تضربني، وكسروا لي يدي وأصبعي انخلعت من مكانها و(عاينت أصبعه المخلوعة فعلاً، وكذلك علامات الضرب على رأسه وجسده).
لي عائلة في حلب، نحن 5 إخوة، أنا أصغرهم، عمري 10 سنوات، اسمي (أحمد يوسف علي)، وأتيت من حلب إلى اللاذقية بميكرو، وصاحب الميكروباص لم يأخذ مني الأجرة حين شاهد وضعي.
وعن أكله:
آكل من (هيداك) المطعم، آكل مايتبقى مِن سندويش على الطاولات.
سألته: (طيب من يومين نزل مطر، كيف نمت؟).
أشار لي إلى خيمة لبيع الفواكه يلجأ إليها بهكذا جوّ، كما لجأ مرتين للنوم داخل جامع العجان..
سألته: لماذا لا تعود الى أهلك بحلب؟
قال لي أبي لايريدني، وهدّد أمي إذا عدت إلى البيت..
سأبقى هنا، وأرجوكم تأمين عمل لي.
وانضم إلينا بهذه الجلسة صديق أحمد، (الطفل محمد خليل) الذي قال لي:
أنا وشقيقي بلال نساعد أحمد، نعطيه(بسكوت) ليبيعها جهات دوار الزراعة ويسترزق..
أنا كمان من حلب، عمري 14 سنة، ومستأجرين بيت، وأبي تزوج امرأة غير أمي، وهو وزوجته الجديدة بحلب.
أعمل ببيع الورد، وأخي يعمل في (محل ميشيل)..
لتأمين إيجار البيت وتأمين المصروف لأمي وستي التي تسكن معنا، و5 إخوة.
وطلب مني أن نساعد أحمد بعمل، واشتكى لي مِن بعض الصبية، وأشار إليهم، وكانوا يقفزون من، وفي، وحولَ بركة الماء في ساحة الشيخضاهر، اشتكى بأنهم يتحرشون به وبأحمد ويضربونهم، ويسرقون منه الورد، وهؤلاء الأطفال أيضاً من حلب وإدلب..
وعلمت من أحمد أيضاً أنه كان يتمنى أن يصبح (طبيب جراحة)، هكذا تمنى، لكنه لم يتعلم، وكل إخوته لم يصلوا إلى الصف التاسع.
أيضاً هو يحب الرياضة، ويحب (ريم السواس)، وغنى لي أغنية لهذه المطربة (الذائعة الصيت والصوت والشكل)، وهذه بعض كلماتها:
(لفلي حشيش.. سمعني غنانيش/ (أغانيك)
كيف بدّك ياني عيش.. محبوبي أذاني.. طير رباني ع الريش..)
أشدتُ بصوته… ضحكتُ.. ضحكنا.
أخذنا بعضَ الصور.. أعطيته ثمن سندويشة البيض، لأن المطعم ليس بالساحة، ووعدته أنني سأنشر اللقاء. مع أمنيتي القلبية أن تتمّ مساعدته، بطريقة ما، وأكدت له أنني سأعود إليه لأخبره بكلّ جديد، لأننا أصبحنا أصدقاء، خاصةً وأنّ كلينا يحب مطربة الجيل/ ريم السواس..
ملاحظة: الشاعرة نبيلة متوج كتبت قصيدة مؤثرة عن حالة الطفل أحمد، بعد مشاهدتها للصورة الصادمة وهو يفترش الأرض ويتدثر ببطانية في ساحة الشيخضاهر.
جورج إبراهيم شويط