قســمة ونصيــب.. والــــــزواج «أصعب المشاريع»!

العدد: 9386

الأحد 14-7-2019

لا ينفك هذا الزمان يلقي بالكثير من الحجارة في كيس المتاعب والهموم الذي ناءت أكتافنا تحت ثقله، ونحن نحاول الإمساك بزمام شؤوننا وربطها بحبال تمتد بحيل وحكم لتقييد مصاعبها وشد وثاقها بلا شجون، في هذه الأيام الموجعة وتحت وطأة الحال والواقع المرير جروح وقروح تتفتق بآمال وأحلام تتبخر بعد أن اشتدت الأنواء وحجبت الفرح وعتمت القلوب لتتغير آراء الشباب في الزواج بشروط وأسباب أدت إلى عزوف معظمهم وإضرابهم عنه، حيث ازدادت نسبة العنوسة بين النساء 70% وحتى الرجال… تغيرات كثيرة أصابت كيان المجتمع، القلب منه والنواة في أسرة فقدت الموازين والمقاييس حتى في الحيطان والبناء وكانوا بها غير قانعين، والشرط لا يلغي خياراً لها فما زال لهم فيها قسمة ونصيب فهذه سنة الحياة..
بين الجد والهزل في الحديث يشرئب الجدل، رفض من النساء وقبول من الرجال جميعهم يتمنون زوجة ثانية ولو كانت الأولى قد أشعلت له أصابعها العشرة، وقد درجت ظاهرة جديدة خلال الحرب فوجدنا الكثير من شبابنا قد تزوجوا من فتيات وفدن مع أهاليهن إلى مدينتنا بتكاليف جداً بسيطة ومهر قليل لتعيش معه على الحصيرة بصفة ضرة ولم يكن رجوعه وعدوله ليس إلا لغلاء فاحش تشهده الأسواق فكيف له قسمة عادلة للقمة عيش عائلتين، كما أن أسعار الصيغة أو حتى المحبس بصوت رنان ويحتاج لهز أكتاف.
* أحمد أحب زميلته في العمل والتي تصغره بعشر سنوات، متزوج ولديه ولدان ويعيش باستقرار بين عائلته، لكنه الحب الذي أضرم بقلبه النار، فما كان منه غير أن يتفق مع حبيبته على الفرار والهروب معاً بعد رفض والديها زواجهما، وقد تقدم لعدة مرات طالباً يدها ويردونه خائباً لا مؤجلاً، فما كان منه غير التمرد وسرقة حبيبته في ليلة ظلماء لم يكن يدر أنها نزوة وتنطفئ شعلتها بعد حين، واليوم هو في جدال دائم وبأمر الزوجتين حائر، فكل منهما تجير على الأخرى ويبدو أن الحل بثالثة ترضي الطرفين.
* نورا طالبة جامعية: إن الرجل الذي يريد أن يتزوج ثانية بالتأكيد لديه القدرة على إعالة أسرة أخرى ويمكنه تحمل الأعباء، كنت مخطوبة لقريبي لكنه تركني وفر هارباً إلى السويد، خانني وغافلني فكان أن رضيت برجل أكبر مني وتزوجته فالزواج هذه الأيام في سكون وركود ولا سوق للبنات، فلماذا اللوم والعتب من الزوجة الأولى، ليس علينا الانتظار طويلاً لنحقق الأحلام وسنة الحياة.
* سلام، 23 سنة, أشارت إلى أن الفتيات يلعبن دوراً كبيراً في هذه المشكلة, إذ الكثيرات يحلمن بالشاب الوسيم والبيت والسيارة, وغير ذلك من المتطلبات التي يعجز الشباب عن تأمينها في ظل الواقع الحالي, فقالت: هذا عندما كنا في سنين ما قبل العشرين, ونجد أنفسنا في موقع يؤهلنا للاختيار, وتصبح الواحدة منا قلقة وتخشى أن يفوتها قطار الزواج, كما أن ظروف شبابنا هذه الأيام تعيسة, إذ لا مال ولا بيت, فلا تجد في هذه الحال بداً من القبول بأي شاب طيب تقدم طالباً الرضى والزواج, وعليها تقديم بعض المساعدة وتسهيل الطلبات وتخفيف التكاليف, ومع هذا نجد الشباب الذين تأخروا في الزواج يختارون شريكاتهم صغيرات بل مراهقات.
* سوزان، 34 سنة, أشارت إلى أن الدراسة والتفوق والعمل كانت أهدافها في هذه الحياة, وبعدها ليأتي العريس, وتابعت: لكن يبدو أننا مع التقدم بالعمر, تصبح مسألة اختيار الشريك غاية في الصعوبة والتعقيد, عندها تتعرض الفتاة للوقوع في مشاحنات, مع الأهل ومع أخواتها الأصغر سناً, بالإضافة إلى بعض التلميحات بأنها كبرت وولى شبابها ولم تعد لها فرصة بالزواج، فلتبتعد وتوسع الطريق لغيرها فهن يردن العريس والزواج.
* شنّ عامر، 40 سنة: هجوماً شديداً على بعض الأسر, التي تضع شروطاً لا يقوى الشباب على القيام بها, في ظل الدخل المحدود, والغلاء المستفحل في الأسواق, وارتفاع تكاليف تأسيس عش الزوجية, ويحكي أنه تقدم لخطبة ابنة عمه منذ خمس سنوات, وجاء طلبه مع الموافقة وبيان الحال, ومضت الترتيبات بهدوء وهناء, لكن فجأة انقلبت الأمور رأساً على عقب, وتغيرت المعايير والمكاييل, أثر تقدم أحدهم للزواج من شقيقة خطيبته, فقد كان العريس من أصحاب الأعمال, ويسكن في قطر منذ سنوات, ولم يتأثر بما يجري في البلاد, وتغيرت كل الموازين لصالحه وهو المليان, فالعريس الغني أقام فرحاً, أصبح حديث كل من حضره ومن لم يحضره لضيق الحال, ويؤكد عامر, أن العريس أصبح مقياساً لكل من يتقدم لخطبة أخواتهن, وهو ما أحدث تحولاً كبيراً في تعامل خطيبتي ووالدتها معي, وتكثر الطلبات, فما كان علي إلا الهرولة في المكان ثم الانسحاب الديناميكي و( باي باي).
* الأستاذ محمد العبد الله، علم اجتماع, شاركنا رأيه حول الموضوع ليقول:
إن عنوسة الرجال, مصطلح جديد, أطل علينا في هذا الزمن الصعب, وزمن العولمة والنت, ولعل أسباب ذلك تكمن في المتغيرات الكبيرة التي حدثت في السنوات الماضية وما أسدلته الحرب من ظلالها الكئيبة والقاسية في المعيشة والزواج, والتي من أبرز مظاهرها النظرة المادية, وسيطرتها على عقول بعض الفتيات والنساء, حيث أصبحت المادة وحدها للأسف, هي التي تحدد اكتمال الزواج أو عدمه, في القائمة الطويلة من الطلبات, والتي تتجسد في المغالاة بالمهور, والبذخ في الأعراس, وارتفاع سعر الأثاث, فخامة وجمال البيوت المطلوبة لعش الزوجية, إضافة إلى اضطراب المفاهيم بنحو واسع, فقد أضحى المجتمع يخلط بين العادات والتقاليد, وأيام هذا الزمان.
ويشدد الأستاذ محمد, على أن هناك عوامل غير اقتصادية, أسهمت في حالة العنوسة منها: الانفتاح الكبير الذي يحدث في وسائل الإعلام, حيث النت والقنوات الفضائية الإباحية, جميعها تشكل حائطاً حائلاً للزواج, حيث يجد بعض الشباب فيها متنفساً يزيح عنهم هامش التفكير في الزواج, وهو واقع كثير من الشباب, خاصة العاطلين عن العمل, وهكذا تمضي السنوات لتخلف عانسين جدد من الرجال, ويضيف:
إذا أردنا أن نتعامل مع هذه المشكلة, فأعتقد أنه علينا أن نبدأ بالبحث فيها, على عدة مراحل, وسأذكر ثلاثة منها:
المرحلة الأولى: تتضمن خطوات هدفها تحديد أبعاد هذه المشكلة, وهي تعريف العنوسة, وتحديد سن عنوسة الشباب, والمرحلة الثانية: تتضمن دراسة نفسية واجتماعية لعزوف الشباب عن الزواج, والخطوة الثالثة: تتضمن دراسة الأسباب الموضوعية, التي تمنع من يرغب في الزواج أو تؤخره, ولعل الواقع، وخاصة أننا نعيش تحت وطأة الحرب والغلاء، يستوجب تدخل الجهات المعنية, وإلى جانبها المؤسسات الاجتماعية, لإحداث اختراق كبير في الواقع, والعمل الجاد والمخلص, لحل جميع العقبات, التي تقف سداً منيعاً أمام زواج الشباب, وتحقيق أحلامهم ببناء عائلة سعيدة.
أرقام
في سجلات مديرية الشؤون المدنية باللاذقية تبين 3022واقعة زواج عام 2010حيث كنا نعيش بسلام والراتب عال وتمام والحفلات الأعراس يقوم لها البنيان وتشيد لها الكوشات في مطاعم وصالات، وعام 2011 انخفضت قليلاً إلى 2767 واقعة زواج، تعود وترتفع في 2012 إلى 4101 واقعة زواج ولم تكن الأسعار قد استعرت نارها في تكاليف الحياة، ليكون بعدها التباين في عدد واقعات الزواج بين مد وجزر وتبدأ وتيرتها بالانخفاض ففي عام 2016 سجلت 1561واقعة، وفي 2017 سجلت 1316 واقعة، وفي 2018 سجلت 1413 واقعة، لتكون 643 واقعة في عامنا الحالي حتى 1/7/2019
الحياة الزوجية السعيدة شعلة توقدها نار المحبة
الزواج هو نهاية سعيدة لقصة حب أو لرحلة بحث عن شريك وتأسيس عائلة بطرق مفروشة بالورد والعيش بحب وتفاهم وأسرة متعاونة، وكذلك هناك منغصات تعرقل هذه الرحلة وقد تتسبب في تأخرها أو تكون سبب في انهيار هذه العلاقة الجميلة.
تفاوتت نسب الزواج في سنوات الأزمة فكانت الإحصائية حسب ما أفادتنا به السيدة صفاء سليمان من دائرة نفوس جبلة بعدد واقعات الزواج المدونة في سجلاتهم كالتالي: في 2011 (974) وفي عام 2012 (955) وزادت في 2012 فكانت العدد (1276) أما في 2013 لم تختلف كثيراً (1572) وعلى الرغم من شدة الأزمة وتأثيرها إلا أن النسبة زادت في السنوات الثلاثة في ذروتها وتراوحت ما بين 1209 إلى 1379 أما في 2019 سجل 720 واقعة حتى الآن، ونوهت إلى أن هناك أعداداً كبيرة (زواج ثان) وتعدد الأسباب الداعية لذلك.
* السيد منهل: في السابق كان أمر الزواج ميسراً وبدون تعقيدات، أما الآن فأصبحت الأمور تثقل كاهل الشباب وترهقهم.
* السيد حمزة: تغيرت النظرة للزواج عن السابق باختلاف نمطية التفكير والأزمة الاقتصادية فأصبح هاجس تأمين المسكن وتكاليف الزواج أمراً صعباً وضعفت قدرة الأهل على المساعدة إذ يجب علينا حساب التكاليف لتجهيز منزل متواضع يحتاج على الأقل لعشرة ملايين ليرة وشراء الفرش والأدوات الكهربائية الضرورية ولا يمكن الاستغناء عنها تحتاج إلى بضع ملايين يعني يجب على الشاب أن يضع في الحسبان 15 مليون ليرة ليتقدم من خطبة الفتاة ويكون جاهزاً للزواج.
* السيدة ابتسام: كنت أعيش في بوتقة ظناً مني أن جمالي وحصولي على الشهادة الجامعية وحياتي التي كانت تشع تفاؤلاً وأملاً عندما كنت في العشرينات سوف أتدلل وأختار شريك حياتي من بين مئات الشباب، ولكن خاب أملي واندثرت أحلامي وسيطر الإحباط واليأس بعد أن مرت سنوات عمري وتاه قطار الزواج عن طريقي وتقلصت فرص الزواج أمامي وتحولت أحلامي إلى انتظار فارس أحلامي الشاب الوسيم المتعلم والذي باستطاعته تأمين كافة متطلباتي إلى شخص لمواصفات محدودة (وحتى لو كان متزوجاً) يبعد عني نظرة الناس المليئة باللوم تارة وأخرى بالشفقة والحزن.
يسرى ابنة الأربعين عاماً: أرفض مصطلح (عانس) لأنها كلمة قاسية تجرح المشاعر والأحاسيس، برأي ليس للزواج سن محدد، البعض يتزوج في سن مبكرة والبعض الآخر يتأخر في الزواج، هذا يعود إلى طبيعة الفتاة ومتابعة دراستها والبيئة التي تعيش فيها ففي النهاية الهدف هو تأسيس عائلة والحصول على الاستقرار.
* السيد معتز في الثلاثين من عمره: والدي تزوج وأنجب خمسة أولاد وأصبحنا في أعمار العشرين حتى امتلك منزلاً وأنا برأيي ليست المبادئ والأخلاق والصفات وحدها التي تورث إنما ورثت عن والدي الشقاء والبحث في كافة ميادين الحياة لتأمين منزل صغير، لذلك عاهدت نفسي وأعمل جاهداً لتأمين المنزل وتجهيزه قبل الزواج حتى ولو تأخر الوقت ووصلت إلى عمر الأربعين، يعني إما الاستقرار مع عائلتي أو العذاب وحيداً، بإرادتي وتصميمي أصبحت أملك منزلاً ولا أحتاج إلا لفرشه وتحضيرات الزواج، ولكن دائماً أسأل نفسي: كم مليوناً أحتاج لذلك وفي أي عمر سيحصل.
السيد نبيل: تزوجت ابنة عمي الوحيدة بعد اتفاق الأهل على مساعدتي وتم تأمين المنزل والفرش والأدوات الكهربائية وكل ما نحتاج إليه طبعاً كان هذا الزواج بسبب خوف العائلة من ذهاب إرث عمي لشخص غريب وأنا موظف وزوجتي مدرسة، أنجبنا ولدين وأصبحا في المدرسة، صحيح نعيش بسلام دون مشاكل ومنغصات الحياة، هذا ما يعرفه الجميع ولكن كل واحد منا يعيش فراغاً عاطفياً، ولكن أريد أن أقول ليس الزواج فقط منزلاً ومالاً وأولاداً، هناك الأهم الذي يتناسيه الجميع ويجب عدم التنازل عنه المشاعر والأحاسيس (الحب) التي تجعل الشخص يرى كل شيء جميلاً وسهلاً التعب والشقاء والسهر من أجل الحبيب أجمل بكثير من تأمين مستلزمات العائلة إرضاءً للعائلة والمحافظة على عاداتها وتقاليدها.
السيد غزوان: الخوف والتردد في الاختيار وعدم رغبتي في تحمل المسؤولية والعيش كعصفور طليق حر ومحبتي في الذهاب إلى أي مكان والاستقلالية في شخصيتي رغم ضغط أهلي المستمر على الزواج لم أستطع حتى الآن أن أمشي في هذا الطريق على الرغم من أن أصدقائي وإخوتي متزوجون ولديهم أولاد وأستمتع في محادثتهم واللعب معهم، عندما أراهم أتشجع وأوهم الجميع بأنني سوف أتزوج وما أن أعود إلى المنزل حتى تتلاشى هذه الفكرة وتذهب مع الريح.
السيد رضوان: الابن الأصغر في العائلة وورثت أبي وأمي مع المنزل وباتت تشكل مسألة صعبة عند الصبايا اللواتي أتقدم لخطبتهن، دائماً أسمع جملة (أهلك سوف يسكنون معنا) كذلك البعض يقلن لا نستطيع تحمل مسؤولية عائلة، دون تفكير أن أهلي سبب وجودي وتأمين المنزل والفرش والأرض التي ورثتها منهم وسبب سعادتي لذلك فضلت البقاء بدون زواج والتفرغ لخدمة والدي، وعدم تسبب الأذى والإهانة لهما ريثما تأتي بنت حلال نتشارك العيش بأمان.
السيد علاء: الزواج هو اتفاق بين الرجل والمرأة والاتفاق على الارتباط بهدف تكوين أسرة وإنجاب أولاد، في مجتمعنا يفرض على الشاب تأمين المنزل والسيارة وكل متطلبات العروس إن أمكن، سافرت إلى خارج البلد وعملت لسنوات، كلما جمعت مبلغاً كنت أرسله لأهلي من أجل بناء بيت، وبعد غربة وتعب وحرمان وسهر طويل عدتُ وقررت الزواج والاستقرار وبعد الانتهاء من فرش البيت والأدوات الكهربائية وكل ما نحتاجه حددنا موعد الزواج، وضعت خطيبتي أمام خيارين إما حفلة في إحدى الصالات ودعوة الأهل والأحباب أو شراء ذهب، هذا الذي كان بالإمكان، اختارت الحفلة رغبة منها في تحقيق حلم حياتها وفرحتها الكبرى بالفستان الأبيض وبعد عدة أشهر وجدت أنها على خطأ وتمنت لو كن خيارها الثاني لأن القطع الذهبية ليست مجرد زينة تتباهى بها أمام أصدقائها وأهلها وإنما ضماناً للمستقبل وبنك منزلي يمكننا الاقتراض منه أي وقت نريد.
السيد محمد: الزواج عن طريق النت مليء بالمطبات والمفاجآت إذ كل شخص يعرض للآخر أجمل ما يريد فهو في الأصل بعيد ولا يعرف أي شيء عن الحياة التي يعيشها وعند الزواج تسقط الأقنعة وتنكشف الأمور وتتغير الآراء والأفكار ويتحول الحب المغلف إلى حاجة وطلبات وكلا الزوجين ينتظر الآخر على كل كلمة أو تصرف ويخيم الصراخ والعنف على حياتهما، وأنا لا أريد إيصال فكرة أن كل العلاقات نهايتها الفشل ولكن يجب الحذر والتأني في اتخاذ القرار والتعرف عن قرب والتفاهم ووضع أسس متينة لتكون النهاية سعيدة وهانئة.
الزواج.. بين الظروف والواقع
الزواج وتكوين الأسرة النموذجية حلم كل شاب وفتاة في مقتبل العمر، ولكن للأسف يواجه شبابنا في الوقت الراهن تحديات كبيرة منها ظروف الحياة المعقدة عامة وبلادنا بشكل خاص بالإضافة لتأثير الجوانب الاجتماعية والاقتصادية وغلاء تكاليف الزواج وضيق قدرة الشباب على تلبية مطالب أهل العروس كلها من الأسباب التي تقف في وجه شبابنا وشاباتنا وتؤدي في غالب الأحيان إلى العزوف عن الزواج وهو الأمر الذي نلاحظه بكثرة في هذه الأيام رغم تطور وازدهار العلاقات ما بين الطرفين نتيجة تشارك مقاعد الدراسة وساعات العمل الطويلة سوية حيث استطاع أبناء هذا الجيل التخلص من العادات والتقاليد القديمة البالية التي كانت تحكم بموضوع الزواج.
* السيد علي قال: يا ترى لماذا لم أتزوج وأنا على أبواب الأربعين؟ والجواب ببساطة لأني طلبت على الاحتياط عندما بدأت بتأسيس نفسي وقد اشتريت بيتاً صغيراً على الهيكل، وكان راتبي حينها 12000 ليرة، والدولار كان بـ50 ليرة وإكساء البيت كان يكلف في أسوء الأحوال 300ألف ليرة ولكني التحقت بالخدمة الاحتياطية والراتب أصبح بعد ثماني سنوات 36 ألف ليرة وكلفة إكساء البيت أصبحت تفوق 3ملايين ليرة وإذا سحبت قرضاً قيمته 3ملايين ليرة يجب أن أدفع بالشهر 42ألف ليرة لمدة 10سنوات أي أكثر من راتبي ب6 آلاف ليرة وأضاف: اليوم أصبح عمري 40 سنة وما زال بيتي على الهيكل، وراتبي كان بالكاد يكفيني مصروفاً وكنت ولا زلت أخاف من فكرة الحب والزواج لأجل ألا يأتي أهل العروس ويسألوني إن كان عندي بيت أو لا ؟
* علي جبيلي: عمري 38سنة وأعلم كل العلم أن الزواج استقرار وأنا أتمنى الزواج ولكني لا أستطيع الإقدام على هذه الخطوة بسبب عدم توفر البيت وضعف الراتب فكيف سنبدأ التأسيس بعد كل هذا العمر من تحت الصفر وقال: رغماً عني سأبحث عن فتاة موظفة تساعدني في تحمل المسؤوليات حتى نستطيع إكمال الحياة، فالحب لم يعد الأهم في الحياة رغم أنه الحصن الحامي والمنيع لمؤسسة الزواج.
السيد قصي قال: أنا موظف على قد الحال، وعمري 36سنة ولا أملك المال الكافي لشراء بيت، وبيت عائلتي صغير وضيق فكيف سأتزوج وأضيف إلى معاناتي معاناة إنسانة أخرى بدل أن أريحها أقوم بإرباك حياتها بالكامل.
أما السيد وحيد فكان له رأي آخر حيث قال: رغم أن عمري أصبح 40 عاماً وعملي التجاري جيد جداً وأملك منزلاً كبيراً ولكني إلى الآن لم أجد الفتاة التي أحلم بها أن تكون زوجتي وشريكة حياتي وتمتلك كل الصفات الحسنة التي أحبها كالأخلاق والأهل والجمال والعلم .
هنادي قالت: من شروط الزواج الناجح والمستمر أن تتوفر كل مقوماته الصحيحة وأهمها الكفاءة بين الطرفين أي المساواة بين الزوجين من الناحية الثقافية والاجتماعية بالإضافة إلى التكافؤ في السن والنسب ونوعية العمل والوعي الفكري، وللأسف أني أفتقد هذا الشرط في أغلب المتقدمين فإما هم أصغر مني سناً أو غير حاصلين على أي شهادة علمية أو عملهم غير لائق ولذلك لم أتزوج حتى الآن.
أما سمر فقالت: الزواج قسمة ونصيب، وأنا أحلم بأن أسس عائلة جميلة مع من أحب، ولكن ظروف الحياة القاسية ما زالت تقف عائقاً إلى الآن في وجه أحلامنا فخطيبي موظف براتب محدود وقد استأجرنا بيت صغير ونتساعد معاً على تأمين كافة المستلزمات الضرورية.
وقالت هبة: خطبت لعدة أشهر لشخص كنت أظنه فارس الأحلام، وأمضينا أياماً ظننتها أسعد أيام عمري إلى أن بدأ يظهر على حقيقته ويحاصرني بغيرته وشكوكه، ويعمل جاهداً على أن أترك عملي وهذا المستحيل بعينه، فقد أمضيت حياتي في التعب والسهر والجد والدراسة لأحصل على هذا العمل، ولن أتركه لأي سبب كان ولذلك تم الانفصال فيما بيننا ولقد فقدت الثقة بأني سألتقي بالشخص الذي يجرني إليه بتفكيره واتزانه وقوة شخصيته وثقته بنفسه وتصالحه مع الحياة وظروفها الراهنة.
عندما يدخل الفقر من الباب هل يهرب الحب من الشبّاك؟
حلم يكبر مع كل فتاة، ترسمه في مخيلتها كما تريد ولكن هيهات في زمن كهذا أن يتحقق، الزواج لم يعد حلم الفتاة وحدها بل بات حلم الأب والأم لرؤية أحفادهم، ولكن شباب هذه الأيام يمسكون بيدهم الممحاة لمنع اكتمال أي حلم وتحوله إلى حقيقة، لم يرفض الشباب الزواج وماهي أعذارهم، في لقائنا مع بعض الأهالي كانت لنا الحوارات الآتية:
* تقول السيدة أم سمير: لدي شابان أحدهما متطوع في صفوف الجيش العربي السوري وأصبح عمره 29 عاماً ولكنه يرفض فكرة الزواج ويقول أنه لا يمكن أن يفكر في الزواج قبل تأمين بيت يعيش فيه هو وأسرته ونحن عائلة من أصحاب الدخل المحدود ولا يمكننا تأمين بيت لولدين، والآن بات حلمي أن أفرح بهما وأرى أحفادي.
* توافقها الرأي السيدة أم علي قائلة: كيف يمكن لأم مثلي أن تزوج أولادها وهي لا تملك في هذه الحياة إلا راتباً تقاعدياً تعيش منه هي وأولادها، لقد بات الزواج حلماً للشباب وللأهل وكل ذلك بسبب الأوضاع المادية السيئة.
محمد علي 34 عاماً: الزواج مشروع كبير يحتاج لرأس مال وإلى أساسيات أولها المنزل إضافة إلى دخل يؤمن حاجات العائلة فاليوم مصروف البيت كبير جداً، وأنا غير قادر على تأمينه لذلك عزفت عن الزواج وتركته لأهله.
* يوافقه الرأي الشاب حسين قائلاً: على فرض أنني قررت الزواج فيجب أن تكون زوجتي موظفة لأن أحد الراتبين سيكون أجاراً للمنزل الذي سنعيش فيه والراتب الآخر سنؤمن حاجات المنزل منه، وكما تعلمين راتب وحيد غير قادر على تأمينها لذلك لن أظلم أي فتاة و(شلت الموضوع من راسي).
* فيما تقول شيرين عبود: لقد بات الزواج عملة نادرة وبالتأكيد السبب هو غلاء الأسعار وعدم قدرة الشباب على تأمين متطلبات الفتيات، فاليوم قلة من يستطيعون شراء منزل وقلة هن الفتيات اللواتي يوافقن على الزواج بدونه لذلك بات الزواج عملة نادرة.
* ويقاطعها صديقها فادي قائلاً: سأقول شيئاً قد يحل موضوع البيت باستئجار أحد المنازل والاستغناء عن أحد الراتبين، ولكن ماذا عن المفروشات والكهربائيات كيف يمكن لموظف أن يشتريها الغلاء هو من أبعد الشباب عن الزواج، ربما يكون الحل باسترجاع العادات القديمة وهي أن يسكن الأبناء مع أهاليهم في البيت ذاته.
* أخيراً التقينا المهندسة رباب وقالت: اليوم نسبة الفتيات غير المتزوجات مرتفعة جداً و الذي يثير القلق هو القناعة التامة لدى الشباب بعدم ضرورة الزواج لأنها مؤسسة فاشلة أو لأنه غير قادر على تأمين مستلزماتها، فإلى أين نحن متجهون؟.
* ويختلف لؤي محمد عنهم ويقول الزواج هو نعمة ثمرتها أغلى ما في الوجود وهم الأولاد و بالتعاون والتفاهم بين الزوجين يمكن تذليل كل الصعاب والعقبات.
* الاختصاصية التربوية ريم محمد: أصبح الزواج في أيامنا هذه كالحج لمن استطاع إليه سبيلاً كما يقال بسبب رفض الكثير من الشباب للزواج، والسبب يعود لأسباب كثيرة منها: أسباب عامة وخاصة، أما الأسباب العامة فهي مادية تتجلى في البطالة بين الشباب وقلة فرص العمل، عدم قدرة الشباب على تأمين حاجات الزواج المادية من منزل ومصاريف والغلاء الكبير في تكاليف الأعراس، رغبة الشباب في السفر والعمل في الخارج، أيضاً غلاء المهور ومتطلبات الزواج، وإصرار الفتيات على بعض الشروط أو المتطلبات، كذلك التفكير بالزواج بالمرأة العاملة تحت ضغط الظروف المادية والابتعاد عن الزواج بمن هي لا تعمل، أما الأسباب المعنوية أو النفسية فتكون بالتخبط في الاختيار تحت إلحاح المجتمع والأهل على الزواج وتكوين أسرة مقابلة بعدم رغبة الشباب في تحمل المسؤولية وخسارة استقلاليتهم الشخصية، أيضاً الخوف من الروتين والملل بعد الزواج، وتغير شخصية الشريكين أو ظهورها على حقيقتها، الخوف من فكرة الزواج من أجل الزواج فقط دون وجود أي أسباب أو عوامل تشجع على ذلك من قبل الشباب.
إذا ما انتقلنا للأسباب الاجتماعية فإن تدخل الأهل في اختيارات الأبناء العاطفية وإجبارهم أو إلزامهم بالزواج في سن معينة، أيضاً هناك عامل مهم وهو عمل المرأة وتعليمها واعتمادها على نفسها واستقلاليتها في حياتها وشخصيتها جعل منها تفكر كثيراً قبل الإقدام على الزواج، فقد يتسبب الزواج بخسارة وظيفتها، أو تقييد حريتها، وطموحاتها.

 هدى سلوم – معينة جرعة- سناء ديب

تصفح المزيد..
آخر الأخبار