سياســــة تجويــع الشـعوب

العدد: 9386 

 الأحد-14-7-2019

 

 

يتم تناول مسألة العقوبات الأمريكية الجديدة على سورية، أو ما يسمى قانون سيزر من ناحية العقوبات الاقتصادية فقط، أو باتجاه واحد هو العقوبات والقانون وأهدافه البعيدة والقريبة، لكن القضية لها أبعاد أكثر من ذلك، ويمكن معرفة ذلك عبر نظرة شاملة لما حدث ويحدث، ولما سيحصل، فلا خلاف من حيث المبدأ بأن الطرف الذي يفرض العقوبة يهدف لإرضاخ الطرف الآخر، أو الأطراف الأخرى المتأثرين به، لكن ما قامت به الإدارة الأمريكية في فرض العقوبات توصف بالجزئية لأنها صادرة من دولة واحدة ضد طرف أو عدة أطراف، على عكس العقوبات الجماعية من مجموعة دول ضد دولة، ولذلك يقوم الاتحاد الأوربي بمحاباة ترامب عبر فرض عقوبات موازية لتظهر على أنها عقوبات جماعية, لأن الإدارة الأمريكية تدرك عجزها عن استصدار قرار عقوبات جماعي عبر الأمم المتحدة كما في الحالة العراقية مثلاً.
إن إدارة ترامب تسعى إلى بناء ترسانة من العقوبات والقيود الإجرائية التي تعرقل أية محاولات لإدارة أمريكية في المستقبل من الدخول والانخراط في التفاهم والتعامل مع سورية، وذلك لأن القرارات التنفيذية والتشريعية، لا يتم التراجع عنها بشكل فوري، وإنما تتطلب الكثير من الإجراءات القانونية والتشريعية، وهو بُعد صهيوني بامتياز وأصابع الكيان الصهيوني واضحة المعالم فيها، اذاً، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية من خلال إقرار ما يعرف بقانون (سيزر) من قبل مجلس النواب الأمريكي تحت ذريعة (قانون حماية المدنيين) للضغط على الحكومة السورية والحلفاء والأصدقاء الذين يقفون في وجه المشروع الإرهابي المعولم بهدف تحقيق المشروع الأمريكي الصهيوني الوهابي في المنطقة.
القانون ليس جديداً لكن الجديد فيه المدة الزمنية عشر سنوات، وهو يأتي معبراً عن النهج الاستعماري الجديد للولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد شعوب ودول العالم لنهب ثرواتها في إطار سياستها للهيمنة، التي تعد خرقاً للشرعية الدولية عبر سياسات التدخل المتجددة، نراها اليوم عبر الاعتراف غير الشرعي بغوايدو ليبدأ انقلابه الناعم ضد الحكومة البوليفارية في فنزويلا، ضمن الممارسات الأمريكية التي زادت في معاناة الشعوب ومآسيها بصورة لم يشهدها التاريخ الحديث من العنف والعنجهية، ونهب مقدرات الشعوب ومحاولات إسقاط حكوماتها، فكيف تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية بأنها كل العالم، مع تشكل المصالح الاقتصادية الإقليمية والدولية حالياً كالبريكست وشنغهاي والاتحاد الأوراسي، وهي تحالفات سياسية تقوم على مبدأ الشرعية الدولية، وهي اصطفافات جديدة في مواجهة الهيمنة الأمريكية، عبر مبدأ الاحترام المتبادل.
إن عودة الاستقرار والحياة الطبيعية لأجزاء كبيرة في مساحة سورية، وإنجازات الجيش العربي السوري في دحر الإرهاب، وكذلك المصالحات الوطنية داخلياً والبدء في مرحلة إعادة الإعمار، وخارجياً بدأت الطروحات عن اللقاءات الثنائية والدولية، لعدد من الدول التي أبدت رغبتها بضرورة المشاركة في مرحلة إعادة الإعمار، فجاء القانون الأمريكي بإصدار العقوبات لتعطيل أي محاولة تقارب مع سورية، فالتخوف دائماً من مشروع ربط البحار الخمس الذي طرحه السيد الرئيس بشار الأسد، ما كان قد يخدم مصالح الجميع وتحقيق الاستقرار السياسي وبالتالي الاجتماعي ويخدم باقي مناحي الحياة لمجتمعات الدول المحيطة، على عكس الولايات المتحدة التي تسعى من خلال العقوبات إلى تصعيد الإرهاب المجتمعي، وهو مشروع طموح وناجح بكل المقاييس حيث يعمل على تأسيس تاريخ جديد في المنطقة لكنه تعرض لنكسة وفق المعطيات الدولية والإقليمية الراهنة، وأن ما يحصل منذ سنوات في منطقتنا عامة وفي سورية خاصةً كونها في موقع القلب للمشروع هو نتيجة لصراع الإرادات بين مشاريع الهيمنة والسيطرة من جهة ونهج سورية القائم على القراءة الدقيقة والموضوعية لمجمل المتغيرات الدولية والإقليمية من جهة أخرى، وبأن هناك إمكانية تجدد المشروع وفق آليات جديدة في المستقبل بالاستناد إلى العلاقات السورية الايرانية العراقية.
بكل الأحوال لن تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية تعطيل الجهود الحثيثة لتقوية الاقتصاد وتحسين الواقع المعيشي الحالي للشعب السوري الذي نتج عن حربهم ضد الدولة والشعب، عبر عقوباتها التي تستهدف خرق الساحة الداخلية، فقد صمدت وحاربت الإرهاب ووقفت خلف الجيش العربي السوري في انتصاراته، وحققت الإنجاز الذي لن يتنازل عنه الشعب، فالجميع يدرك أن هذا السلوك أحد مرتكزات السياسة الأمريكية لتحقيق مصالحها، ويدرك سعي الولايات إلى تحقيق مكسب وانتصار سياسي واقتصادي يرافق قرار الانسحاب الأمريكي من سورية، كما أنها لن تتمكن من إيجاد حالة من الإحباط الدولي والإقليمي لروسيا، أو إيران وغيرها من الدول والحلفاء وأصحاب القضايا والمصالح التي تساهم في تقديم الدعم للشعب السوري.
إن الصمود الكبير للشعب السوري منذ بداية الحرب عام 2011، والتفافه حول القيادة السياسية والجيش العربي السوري الذي يحارب التنظيمات الإرهابية التي تنفذ المخطط الأمريكي الصهيوني وحلفائها، وذلك بقدرة عالية للدولة السورية التي تضع الخطط الدقيقة للمواجهة، بكافة أشكالها بالاعتماد على الاكتفاء الذاتي، ما كان له دور كبير جداً في تدعيم صمود الدولة السورية يضاف إليه الدعم الذي قدمه ويقدمه الحلفاء والأصدقاء، الشعب السوري سيستمر بصموده ومواجهة هذه الحرب الظالمة ولن يقبل بالهزيمة وكذلك الدولة السورية ستبقى قادرة عبر خطة وطنية لتدعيم الشعب وتمكينه من مواجهة كل التحديات القادمة كما واجهها سابقاً.

د. فريد ميليش

تصفح المزيد..
آخر الأخبار