العدد: 9385
11-7-2019
لا شك أن التطور التكنولوجي والتقدم العلمي، استطاع أن يكشف الكثير الكثير ويخدم الإنسان ويدفع بحياته نحو الأمام، ويسيطر على الكثير من الأمور والقضايا، لكن العلم لم يكشف بعد الكثير من نوايا وخفايا النفس البشرية ومكنوناتها… يبقى الإنسان السر الأكثر غموضاً ضمن مخلوقات هذا الكون…
هناك مجموعة من المسائل والعمليات التي لم ينته بحثها في جوهر كل إنسان بالذات، في أحاسيسه ومشاعره، فرحه وحزنه، قرفه وأريحته… كل هذا بعيداً عن الحالات الجسدية التي تبقى أقل وأيسر بحثاً ووضوحاً…
قد يمر المرء بحالة مزاج سلبية لا يعرف كم تدوم أو مدى شدتها، وقد تؤدي به إلى سلوك وإحساس مقرف أسود، يرى بسببها الأمور الأخرى كلها بلون واحد، أو كما يقال (زفت). في حالات كهذه تقوم بين المرء والوسط المحيط مسافة سوداء قاتمة.. فمثلاً تسمع أو ترى من يستغيب صديقاً أو يستهجن شخصاً ما، وإذا ما حضر هذا الصديق أو هذا الشخص فجأة، تجد من يتناوله، هبّ بالتحية والمصافحة والتقبيل، فتحس وجههما تلطخا بالزفت، أو تسمع من يتحدث عن الشرف والوطنية والتضحية والمصلحة العامة ثم تكتشف أو تعلم أنّ هذا المتحدث صاحب ( تجربة واختصاص) بالنفاق واللهط والهبش، تحس عندئذ لو أن كتلة من الزفت قد وقفت في حلقه.
وهناك من يتفانى ويخلص في عمله ونشاطه وعطائه، وزميله إلى جانبه في المؤسسة نفسها، لا همَّ سوى اللهاث أو تقيؤ المجاملة والمديح أو نقل الكلام من دون سبب أو طلب، كل ذلك في سبيل الظفر بشيء بخس أو التشويش.. عند ذلك تحس أنك أقرب إلى مجبل زفت وعلى وشك الغوص فيه حتى الاختناق.
إذاً هناك عالمان يحيطان بالمرء، خير وشر، أسود وأبيض.. في كل زمان وفي كل مكان، فإذا لم نفكر بمعاودة الاغتسال والبدء من جديد ونتدارس هذه الحالات فقد نأخذ بالتلاشي والغوص شيئاً فشيئاً في مستنقع العزلة والاتساخ…
بسام نوفل هيفا