محطة من التراث

الوحدة:13-10-2024

كان عمارة بن حمزة، من أكثر الناس كرماً، ومن أشدهم اعتداداً واعتزازاً بنفسه، حتى حاول الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور أن يكسر من اعتزازه، فلم يفلح، ويحكى أن المنصور أوصى أحد خَدَمه عندما يأتي عمارة، ويستقر به المجلس، أن ينتهز الخادم فرصة، فيحل حمائل سيف عمارة، بحيث إذا قام، سقط السيف على الأرض، وكان مقبض سيفه من الذهب الخالص، وبالفعل تمكن الخادم من ذلك، فلما قام عمارة من مجلسه منصرفاً، سقط سيفه، فتنبه له، ولكنه لم يلتفت، ولم يحاول التقاطه، فالتقطه أحد الخدم، وقال له: هذا سيفك، فلم يلتفت عمارة له، بل قال له: هو لك وانصرف.
ويحكى عن عمارة بن حمزة هذا، أنه كانت له ضياعٌ، إلا أن أحب ضياعه إليه، ضيعة معيّنة، وكان قد شيد فيها بيتاً جميلاً يستجم فيه، فاتفق الخليفة مع أحد خدمه، أنه عندما يجلس بجوار الخليفة، يدخل هذا الرجل متظلماً، ويخاصم عمارة في تلك الضيعة، وبالفعل لما أقبل عمارة واستقر به المجلس، جاء الحاجب وأخبر الخليفة، أن رجلاً في الخارج يستغيث بالخليفة، فأذن له، فأقبل الرجل متظلماً، وقال: يا أمير المؤمنين، إن أقرب الناس لك يظلمني، قال: من هو؟ قال: عمارة بن حمزة، اشتريتُ منه ضيعة كذا، وسمى الضيعة المذكورة، ولكنه ينازعني فيها، فقال الخليفة لعمارة: قم يا عمارة فقف بجوار خصمك، فقال: يا أمير المؤمنين، ما هو لي بخصم، وأُشهدك إن كانت الضيعة له، فلن أنازعه فيها، وإن كانت لي، فقد تنازلتُ له عنها، ولا أقوم من مكان شرفني به أمير المؤمنين، وخرج ولم يدخل تلك الضيعة مرة ثانية، فقال المنصور: لا فائدة، لقد ارتفع من حيث أردنا أن نُخفِضه.

د. رفيف هلال

تصفح المزيد..
آخر الأخبار