الوحدة : 23-9-2024
إنّ تحديد الهويّة المميّزة لأيّ شعب هي دائماً واحدة من أكثر المواضيع تعقيداً والتي تواجه ذلك الشعب، وبخاصّة مع وجود عدد من العوامل المهدّدة لهذه الهويّة. إلّا أن أكبر عامل تهديد للهويّة الوطنيّة الفلسطينيّة هو الكيان الصهيوني بكلّ ما يحمله من قمع وإرهاب لنفي هويّة الشعب الفلسطيني كشعب أصلي يعيش في وطنه وعلى أرضه.
والهويّة الوطنيّة الفلسطينيّة واجهت وتواجه هزّات كبيرة تؤثّر على تشكيلتها والدور المنوط بها في كلّ مرحلة، وإنّ فهم الهويّة الوطنيّة لهذا الشعب يساعد على فهم احتياجاته ومتطلّباته وتعزيز ارتباطه بالمكان والزمان الذي يعيشه.
ربما ليس من السهل كتابة تاريخ الهوية الفلسطينية بسبب الأحداث الجمّة التي ساهمت في تشكُّل هذه الهوية من ناحية، أو حاولت طمسها من ناحية أخرى، وبسبب تداخل المكونات التي تشكل هذه الهوية.
هذا ولم يكن تطور الهوية الوطنية الفلسطينية حدثاً فجائياً، وإنما كانت العملية تدريجية تمت على عدة مراحل، وكانت أحياناً تتوقف عند محطة معينة لفترة ما، حتى تبلورت بالشكل الذي هي عليه الآن، وقد كان للأزمات والنكبات التي مرّ بها الشعب الفلسطيني على مدى الأزمان أثر كبير في تشكل هذه الهوية، وبخاصة الأزمات المعاصرة في القرن العشرين.
وحيث يعتبر بعض المؤرخين أن الهوية الفلسطينية بدأت بالتشكل منذ زمن الكنعانيين، إلا أن البعض الآخر يرى أن الوعي للهوية عند الفلسطينيين قد تطور في بدايات القرن العشرين مع ظهور الصهيونية التي أصبحت تهدد الكيان والوجود الفلسطيني على أرضه، وبخاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وأفول الدولة العثمانية، والذي نتج عنه تقسيم الدول العربية ومن ضمنها فلسطين وإخضاعها للاستعمار الغربي، أي بعد العام 1917.
إن محاولات طمس الوجود الفلسطيني ربما كانت من أهم الأسباب التي عززت الإحساس بضرورة تعزيز الهوية، حيث أن الهوية تعني الوجود في المقام الأول، فهي الحامي للكيان السياسي والاجتماعي والثقافي…
وبالتأكيد فإن عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول العام الماضي، والعدوان الذي لحقها على الشعب الفلسطيني في غزة والمقاومة الفلسطينية والمستمرة منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، إلا أن تداعياتها والمواجهة المباشرة بين المقاومة وبين جيش الاحتلال الصهيوني قد دفعت إلى الصدارة وجدول الأولويات- إن على الصعيد الفلسطيني أو العربي أو الدولي- جملة من القضايا وانتهت إلى تشخيص للمشكلات التي تواجه النضال الفلسطيني والحركة الوطنية الفلسطينية، خاصة في ظل انزياح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين وقيمه، وصعود الائتلاف الديني والقومي المتطرف.
ومن بين هذه القضايا إنهاء الانقسام ورصد آثاره في الواقع، وضرورة توحيد الموقف الفلسطيني، وكذلك إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وبناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية ومن خلال الانتخابات واعتماد قاعدة ومبدأ الأغلبية الديمقراطية، وكذلك الفصل بين السلطة الوطنية وبين منظمة التحرير الفلسطينية، واعتبار المنظمة هي الوعاء التمثيلي الأكبر والأهم في النضال الفلسطيني، وضرورة استئناف نشاط المنظمة إن في الداخل بصورة محدودة أو في الخارج بصورة أكبر.
ولا شك أن هذه المصادفة وذلك التشابه بين القضايا الُتي طرحت في أعقاب طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على المقاومة وغزة ومحاولة تنفيذ خطط التهجير ومخطط الحسم وغيرها من الأهداف الصهيونية المعلنة وغير المعلنة، وهي قضايا مفصلية في الشأن الفلسطيني، بيد أن الكشف عنها وصدارتها لجدول الأعمال الفلسطيني والعربي والدولي مدين لطوفان الأقصى والمقاومة الفلسطينية وصمود الشعب الفلسطيني في مواجهة جيش احتلال يحتل مرتبة عسكرية في صفوف جيوش العالم وفقاً للمعاهد المتخصصة في دراسات التسليح والجيوش.
ريم جبيلي