يوميـّات كاتب!

العدد: 9380

4-7-2019

كان بإمكانه أن يكتب الكثير.. لولا أنه تردد فجأة, وبدأت الأفكار تتصارع داخل رأسه..
ماذا سيكتب .. عمّن يكتب.. ولم يكتب؟!
تذكر عبارة جارته الساخرة حين جلجلت ضحكتها ذات صباح وهي تراه يتأبط حقيبة أوراقه ويتجه نحو المقهى قائلة: (الأدب لا يطعم خبزاً)..
خطرت بباله فكرة كتابة زاوية صحفية عن حماية المستهلك من الغش والتلاعب بالأسعار, لكنه تذكر جاره البقال الذي يدين له بمبلغ لا بأس به عند نهاية كل شهر, وكيف فهم من زاوية سابقة أنه البقال الوحيد المقصود في الحي, وأن الكتابة بهذه الطريقة هي (قطعُ عيش), وكيف خاطبه قائلاً: حرام يا رجل.. أنت كاتب ولست محارباً.. من أين لك كل هذه الأحقاد الدفينة!!
انتقل إلى فكرة أخرى.. سيكتب عن إهمال بعض الموظفين واستهتارهم بمصالح الموظفين ومواعيد العمل والطرق غير الشرعية للكسب, لولا أنه تذكر الهواتف المتواصلة التي تلاحقه حتى إلى غرفة نومه عند كتابة زاوية بهذا الخصوص.. وكيف ترن عبارة زملائه في أذنه بعتب: (هل أنا المقصود)!..
تناول ديوان شعر حديث أهداه إياه أحدهم.. قلّب صفحاته.. صدمته العبارات الفارغة، والأخطاء الواضحة، وحين هَمّ بكتابة قراءة نقدية حول موضوع الكتاب، تذكر أن النقد غير مرغوب هذه الأيام.. إلا إذا لبس أثواب المديح، وإلا سيعتبره البعض من الحاسدين.. فعزف عن الفكرة .. تأبط أوراقه بحيرةٍ وقصد المقهى المجاور لمنزله.. الضباب يلف المكان والوجوه.. لكن صحوة أفكاره بدأت للتو . . سيكتب عن موضوع قمامة مدينتهِ والذي تحول إلى هاجسٍ إضافي لم يكن يتوقعه!
سيكتب عن التلاعب بالأسعار وغش بعض التجار حتى لو فهم جاره أنه المقصود بعينه . .
سيكتب عن الاستهتار الوظيفي حتى لو لامهُ جميع الزملاء والأصدقاء . . سيكتب عن دواوين شبه شعرية، وكتب شبه نثرية، ومجاملات أدبية لا حصر لها، وأمسيات باردة..
سيزاول الكتابة عن الأحبة والأصدقاء ويكتب عنهم وإليهم . .
خرج من المقهى وهو يخاطب زرقة الأرصفة الممتدة أمامه إلى مالا نهاية: بإمكانك أن تكتب الكثير!!

منى كامل الأطرش

تصفح المزيد..
آخر الأخبار