العدد: 9282
31-1-2019
على ضفَّتيِّ نهرٍ، اجتمعت القريةُ على صُراخٍ يعلو وينخفض، ثمَّ يتشابك كما الرَّعدُ والغيم معاً، فثمَّة غريقٍ يداه ما زالتا تقاومان، نادى أحدهم: من يسبح نحوه وينتشله؟ لكنَّهم وكجوقةِ غناءٍ مملَّةٍ ردَّدوا قائلين: لم نجرِّب سباحة الإنقاذ.
قال آخر: فلنلقي بعصا طويلةٍ نحو الغريق ونسحبه بها، فسارعوا القول: عُصيِّنا قصيرةٌ، وقطْعُ غُصنٍ طويلٍ من الجبل القريب يستغرق وقتاً يكون فيه الغريق قد فارق الحياة.
قال مختار القرية: لنعلِّمه السِّباحةَ فينقذُ نفسه، وهنا عمّت الفوضى، فكلٌّ منهم ادَّعى بأنَّه الأفضل، ويستحقُّ القيام بشرف التعليم.
خرجت امرأةٌ تشير وتقول: غريقٌ ثانٍ ظهر للتوِّ والغريقان يمتدّان نحو الضّفة كحبل نجاة!
حركةٌ مفاجئةٌ تحدث، فالغريقان ينقذهما النّهر، قال أحدهم باستغرابٍ (العمى)!
وكأنَّ النَّهرَ يشتعلُ بأشعة الشّمس، فتتبخّرُ المياه، ويقف الغريق الأول على السّطح كما يقف نسرٌ على عُشِّه، يا للمعجزة؟!
الغريق الأول يلوِّحُ بإشاراتٍ غير مفهومةٍ، ثمَّ يدير ظهره ويختفي كأيِّ غريبٍ يغوص في زحمة اغترابه.
قال مختار القرية: يكفينا افتخاراً بأنَّنا ننقذه دون أن يصيبنا البلل، لكنَّهم تساءلوا: أين الغريق الثاني ومن هو؟ تفقَّدوا بعضهم، وبعد عناءٍ، عرفوا أنَّه فلانٌ الذي يتسكَّعُ بالمدينة.
صاحت الأمُّ: أرسلته لإنقاذِ الغريق، لكنَّني أقسمُ بأنّي لم أقل له أن يغرق بدلاً عنه. ليته بقي في المدينة يتسكع، فها هو قد غرق وأغرقني بدموعي.
وهنا عاد الاضطراب المصحوب بالمشادَّات حول المكان الذّي سيوارى فيه، أمَّا النهّرُ فقد واصل جريانه المعتاد بسخريةٍ لم يلحظها أحدٌ.
سمير عوض