العدد: 9282
الخميس 31 – 1 – 2019
هي ثقافة النظر، ثقافة المعلومة، الآتية على متن (اللحظة)، لن نسألَ عن عظمةِ الوقت في ذهنيّةِ الدول المتحضّرة، بلدانٌ صغيرة صارتْ قمماً بين القاماتِ الكبار في العالم، اسألوا عن كوريا بلد (السامسونغ) أو ماليزيا بلد مهاتير محمد، أو حتى إيران التي تنفق عشرات مليارات الدولارات من أجل البحث العلمي، اسألوا عن سورية التي صرح رئيس وزرائها منذ أيام أن الدولة لم تستدِنْ أو تقترض ليرة واحدة من الخارج (رغم الحرب الكونية الهوجاء)، سورية التي وصل دخلها الوطني عام 2010 إلى 64 مليار دولار، اسألوا تلك القامات، حين هي اعتمدتْ على التماعاتِ الأدمغة، واندفاعة الخرّيجين (في بلاد بني يعرب، يا للأسف، نتقن فنّ التماعاتِ الأحذية وتلميع الياقات والعباءات)، ونسأل حكومات قبائلنا العربية، هل تتقنُ، بحقائبها الكثيرةِ التنوّع، فنّ القبض على الأدمغة الهاربة، لما خلف خلف الأزمنة والدهور..؟
أين نحن في قائمة الذين يمارسون ثقافة الحياة، ورفاهية الشعوب وسعادة الأسر والأفراد، وثمّة لدينا وزارات عربية للسعادة وأخرى للرفاهية!
ماذا تبقّى من عربٍ تجاوزتْ أعدادُهم الـ 400 مليون، لهم لسانٌ يغرّد بالضاد، وربما بلغاتٍ قبلية وعصبية مبهمة، وبعقول تشبه عقلَ الرجل الأول، في الزمن الأول، ماذا عن مساحاتٍ تتدفق بالخيرات، التي فوق وتحت؟ وفي أعمق أعماق الأرض، الممتدة، كسجادةٍ من زيتون وذهبٍ أسودَ وأبيضَ وأخضرَ، سجادة تكرج، على مدّ النظر، من أقصى الماء إلى أقصى الماء، تزهر على امتدادها (14) مليون م2 شتى أشكال الصراع والغباءات، والموت والدماء والمؤامرات والأحقاد الموروثة أو الكامنة، والإيديولوجيات العفنة؟
في حضرةِ القبضة التي تمسك برقابِ عشراتِ الدول، وهي تزرع القواعدَ في أصقاع الأرض (507 قواعد)، كما تزرع أشجار الصبار، وأشجار التنصّت الإلكتروني، في الحدائق الخلفية، لقصور أمراء المال وأباطرة البترول، وراقصيْ السيوف المذهّبة، والغباء الموروث في حضرةِ مُقامر لاسْ فيغاسْ، حفيدِ مَن فتحَ مطعماً وفندقاً لبائعاتِ الهوى، اللواتي سخرَهنّ كي يصطدنَ الباحثينَ عن الذهب في جبال أميركا القرن الثامن عشر، الأشقر بالغرّة الشهيرة، زوج عارضة الأزياء الشيوعية، الفقيرة، التي هربتْ من فقر والدها، الذي كان سائقاً لدى رئيس بلدية بلدتها (سيفينكا) بسلوفانيا، لتعرضَ جسدَها على ليالي لوس أنجلس، أو في فنادق ترامب وطائرات ترامب الخاصة جداً، أو فوق الطاولات الخضراء في حضرةِ هذه العائلة المخملية، الموقرة جداً، نسأل، لمجرّد السؤال: لماذا ترشّ تحتَ أقدام وسيقان هؤلاء، وفي حضرةِ المجون والعبث والهبل والانبطاح الممنهج كل هذه المليارات، التي لو سُخرتْ لبناءِ دولةٍ (لأبناء قحطان) هذا العصر، لتحوّلنا إلى إمبراطورية، لا تضاهيها إمبراطورياتُ الأمس واليوم، ولا كل الإمبراطوريات التي سادتْ، ذات عزّ وعظمة، ثمّ بادتْ؟
أمامَ اللحظة القاتمة، على حافةِ الهاوية الكاوية، نقفُ عاجزين، إلا، اللهمّ من اجتماعات وقمم ومؤتمرات، تتلوها مؤتمرات، تتلوها ولائمُ ومناسفُ وفنادقُ فارهة، ساهرة، هل سمعتم أو لمستم أيّ صدى، لهذه المؤتمرات، أو القمم السياسية، أو الاقتصادية، أو أي انعكاس لها على البطون الخاوية، أو على الهياكل العظمية، أو العقول الجامدة (100 مليون أمّي لا يفك الحرف، من أصل 400 مليون عربي ناطق بالضاد، بكلّ جلالها وأبّهتها).
أين هو الإعلام؟ أين هم شعراءُ القبائل والولائم؟ أين تعلق الآن تلك المعلقات التي تغنينا بها؟ ربما هي الآن على جدران الفراغ، في مهبّ بحور الفراهيدي النابغة، بربّكم، متى سينتهي هذا الفيلمُ الأمريكيُ الطويل؟
وحدهم (وحدنا)، مَنْ لسانُ الضادِ يجمعُنا، نتابعُ هذه (الكوميديا السوداء)، على شاشةٍ مُوحلة، بعيون رجل صعيدي، نزلَ، للتوّ، إلى (مصرَ الجديدة) روح سعد زغلول، ترفرف الآن، فوق رؤوس رجالات ثورة 1919 الشامخة، تستغرب، أين هي بلدُ الكنانة، بلدُ العبور وأكتوبر، بلدُ الـ 100 مليون، أين هي من هذه الكوميديا؟ الإجابة عند (الزعيم الأباصيري- عادل إمام).
جورج شويط