من عــبق ذاكــرة اللاذقـــية لأجيالهــا القادمــــة… تــراث شـــعبي قصصــــي

العدد: 9371

 الأحد-23-6-2019

 

 

تاريخ اللاذقية عابق بقصص جميلة، ممتعة، تبعث على الفخر بشعب اللاذقية الحضاري، الشهم، والذي له طريقته في التعاطي مع حياته اليومية الخاصة أو العامة، وها هنا وقفة تعود بنا لعبق ذاكرة اللاذقية يطلعنا عليها الباحث فايز فضّول، فماذا سيخبرنا؟

بدأ فضّول حديثه فقال: أبو هاني هو الرجل المعجزة (مصطفى القدسي) في مرفأ اللاذقية أو (مرفأ أبو هاني) منذ أكثر من سبعين عاماً هو معجزة لأنه باختصار كان يّحلّ بمفرده مقام مديرية مرفأ اللاذقية، حيث لم تكن مديرية المرفأ موجودة آنذاك، نعم كان أميّاً لا يقرأ ولا يكتب ويعمل لديه عشرات العمّال والكتبة في المرفأ يومياً لتحميل البضائع على المواعين ثم نقلها للباخرة، حتى تسفيرها لبلد المقصد، كان أبو هاني يحاسب العمال والكتبة فرداً فرداً بدون قيود ولا سجلات، ويسيّر أعماله كلّها ببساطة ووعي وتركيز وكان بتفكيره وخبرته الدقيقة وذاكرته القوية كأنه كومبيوتر عصره، كان محبوباً من الجميع، وقد أثبت بخبرته أنه حلّ مقام شركة مرفأ اللاذقية بإدارتها وموظفيها وعمالها ومستخدميها، بمفرده، نعم بمفرده وهو الأميّ الذي لا يحمل دفتراً ولا قلماً، ويحاسب جميع الحسابات الصادرة والواردة من جيبه، كان كريماً سخيّاً يعطي، لا يهتم بلباسه، بقدر ما يهتم بتلبية احتياجات الناس كان مستقيماً، صادقاً، مخلصاً لجميع الناس والوطن وكان مغامراً شجاعاً ورمزاً للشهامة، ومن بعده كانت شركة مرفأ اللاذقية الحالية في طوابق بنائها ومستخدميها وعمالها وإدارتها حيث ما تتطلبه عبر الزمن، فلكل زمن تطوراته وإمكانياته وليبقى هذا الرجل المعجزة أبو هاني، مصطفى القدسي في ذاكرتنا وذاكرة أجيالنا للأبد، رحمه الله وليكن ذكره مؤبداً.

 

وماذا عن أهل اللاذقية ومشاويرهم ونزهاتهم في الماضي؟
يومياً كنا نتوجه بنزهاتنا صباحاً وبعد الظهر إلى القلعة، حيث كانت مرتفعاً وفيها أشجار وكانت القلعة كما توضح الصور تستعمل ثكنة أيام فرنسا واليوم أصبحت (أي القلعة) كلها أبنية وطرقات، في هذا المرتفع مقابل ثكنة صلاح الدين شرقاً، أيضاً كنا نذهب بمشاويرنا إلى طريق عين أم إبراهيم مقابل القلعة شمالاً وكانت كلها أراضي زراعية، نشتري منها الخس أو نأكله مغسولاً من صاحب الأرض التي أصبحت اليوم دار الأسد، المركز الثقافي ودائرة السياحة من جهة اليمين، والطريق من الشمال كما توجد فيها اليوم مدينة الألعاب وإدارة شرطة المرور، هذا هو طريق عين أم إبراهيم، أيضاً كانت أهم مشاوير أهل اللاذقية على الكورنيش الغربي حيث الصخور قرب مطعم العصافيري، ومقاهي البحر: فينيسيا، البحري، هارون، لا كابان، رشو، ولكن الكثير من أهل اللاذقية كانوا بعد الظهر من كل خميس ويوم الجمعة يذهبون وينتشرون على الصخور مقابل صخرة البطرني شرقاً حاملين معهم مآكلهم ومشاربهم وبوابير الكاز والطناجر والمقالي ليطبخوا الطعام وأبرزه المجدرة، الباذنجان والسمك المقلي، ويسهرون حتى أواخر الليل على ضوء القمر المنعكس ضوءه على أمواج البحر الملونة واللامعة كالذهب، وصغارهم يلعبون ويسبحون في البحر الذي يرتطم بهم، وما ألذ رذاذ موجه المالح، مع الأغاني التي ترددها مجموعات من هنا أوهناك، وكما ذكرت هذه الجلسات أسبوعياً كل يومي خميس بعد الظهر والجمعة طيلة اليوم.

 

أما باقي الأيام فالناس بأشغالها، حيث لم تكن سوى فئات قليلة تأتي للتنزه باقي الأيّام، أما مقهى البطرني، وصخرة مطعم البطرني الموصولة بالجسر الخشبي فكان الإقبال عليهما كبيراً جداً.

 

ما أحلى تلك الأيام حيث لا موبايل ولا هاتف ولا تلفزيون ولا حتى راديو ترانزيستور كانت سعادة وفرح وسرور وصحة أفضل عند كل البشر.
وأختتم لأقول كل جديد له لذة، ولكن للأسف التكنولوجيا وعلى الرغم من عظمتها وأهميتها إلّا أنها قضت على العالم بأسره وعلى أحاسيس البشر وطيبتهم وتفاعلهم وتواصلهم مع بعضهم البعض بفعل فاعل.

مهى الشريقي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار