الوطنيـــــــــة فـــعل وليســــــــت قـــــولاً..

العدد: 9371

 الأحد-23-6-2019

 

 

لا نحتاج لجرائد لكي نفهم معنى الوطنية، حيث إنَّها ممارسة عملية متأصلة في الوجدان الإنساني، وواجب يقوم على شعورٍ معنوي يربطنا بالأرض والمكان واللغة والعقيدة والثقافة والتاريخ في إطار علاقتنا الاجتماعية التي تحكم ارتباطنا مع الوسط الذي ننتمي له ونمدُّ فيه كل أواصر المعرفة الحياتية ونتبادل فيه الخبرات مع كل المحيطين بنا.

واللبنة الأساس لهذا الواجب المجتمعي، العمل على بناء الوطن، استناداً إلى تعاون جماعي يتسم بالصدق والإخلاص وتفضيل الغير على النفس، أو ما اصطلح عليه أهل اللغة ب (الإيثار).
وللأسف بنظرة على الواقع العملي، يثبت يوماً بعد آخر، أن هناك من لا يدرك المعاني الحقيقية لمفهوم الوطنية، لذلك ما أحوجنا في هذا الوقت للعودة للتذكير بأنَّ الوطنية علاقة وجدانية، فطر الإنسان عليها من خلال ارتباطه بأرض الوطن وأفراده، ولا يمكن أن توجد الوطنية الصادقة لدى من لا يؤمن بهذه العلاقة، ومن ثمَّ يصبح هناك خلل جسيم في علاقته بالآخرين وبالوطن الذي يعيش بين جنباته.
وقد يقول قائل: إن كنت أعيش في وطني ولا أملك حتى بيت يؤويني فكيف بي أن أفهم فكرة الوطنية وهل أستطيع إلا أن أستحضر ما قاله الفيلسوف والشاعر السوري ابن مدينة حمص ديك الجن عندما سئِل عن الوطن حيث قال:
لا أمقت شيئاً في هذه الدنيا بقدر ما أمقت فكرة البيوت المستأجرة، بيوتنا هي أوطاننا الصغيرة، فكيف تكون أوطاننا مستأجرة؟
كيف نطرح أنفاسنا وضحكاتنا ودموعنا ولحظات حياتنا كلها في مكان يجب أن ندفع إيجاره في نهاية الشهر وإلا طردنا منه؟
كيف نكون بشراً على هذه الأرض ونحن لا نملك ما تملكه النملة والنحلة ودودة الأرض؟
تقول آسية زوجة فرعون، ربِّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة، حتى في جنة الخلد، نحتاج كبشر إلى أربعة جدران تؤوينا، وسقف يظللنا، وحيز نسميه البيت، الوطن.
هكذا كانت قراءة ديك الجن للوطن ونحن لا نستطيع أن نُفهم ونعطي دروساً في الوطنية إن لم يكن المواطن يعيش في أبسط مقومات الحياة.
فيجب علينا أن ننظر لفكرة الوطنية من منظور اجتماعي فبقدر ما تعطي يمكن أن تأخذ، وبقدر ما تحب الخير للآخرين وتعمل عليه، فإنهم سيبادلونك الشعور ذاته، وما دمت تحب لأخيك ما تحب لنفسك، ومادامت هذه سمة العلاقة بين أفراد المجتمع كافة، فإنَّ الأمر سيتحول إلى ظاهرة اجتماعية، تمتد من بعدها الثنائي إلى بعد اجتماعي أشمل، وإذا أردنا أن نطبق ذلك عمليّاً في بلدنا نجد أننا بحاجة إلى تأصيل ثقافات وفكر قبول الآخر وإعادة صياغته ببرنامج عملي محدد المعالم، فالعلاج مرتبط بثقافة أجيال ومستقبل الأجيال القادمة أمانة في أعناقنا يجب الوفاء بها من خلال رؤى ومفاهيم قائمة على قراءة عملية وعلمية للمستقبل.
ولابدَّ أن تكون الأخلاق هي أساس التي تبنى عليها القواعد السليمة ويشيد البناء ويكون صلباً قويّاً لا تهزه عاصفة، ومهما خضنا في مفهوم الوطنية فإنَّها جزء لا يتجزأ عن مفهوم الوطن فكلاهما يتكاملان من حيث الشكل والمضمون.
مرة أخرى.. اجعلوا الوطنية الحق واقعاً راسخاً، قولاً وعملاً، وكلما أيقن الفرد أن حقوق الآخرين المحيطين فيه مقدسة كان شخصاً فعالاً لمجتمعه ولكل من سيأتي بعده وتكون رسالته قد أنجزت.

مهران بهجت سلوم

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار