سوق الضيعة.. الـــرزق وفــــير والبيــــع قليــــل

العـــــدد 9369
الأربعاء 19 حزيــران 2019

 

ما بال سوقهم اليوم، لماذا ابتعدوا عن بوابة الحديقة وأين المظلات وفيء الأشجار؟ كأننا أخطأنا المكان.. لم ينزل أهل سوق الضيعة هذا السبت في حديقة البطرني كما كان في الأيام الماضية وغيره في السنوات الفائتة تحت ظلال أشجار وارفة بالأوراق والخضرة، فقد اكفهّرت أرضها ويبست أغصان أشجارها وحتى حشائشها، لتكون في قفرة وحرقة طالت أجسادهم وخلقهم وتطاولت على الزوار، ليرجعوا بأرزاقهم الطبيعية إلى بيوتهم وقد فقدت بهاءها وبهجتها بعد أن جفّ نسغها تحت لهيب الشمس الحارقة دون بيع وتسويق.

الدكتورة زينة وليد، رئيسة جمعية سوق الضيعة أشارت إلى أن المظلات التي كانوا يحطون برحالهم ومنتجاتهم تحتها قد انكشفت شوادرها وتشقق نسيجها كما أن أوتادها وركائزها المعدنية صدأت وتفتت قوامها لتنهار وأيضاً الأشجار المعمرة يبست أغصانها فقرمت وبعضها قلمت أغصانها، لينكمش الفيء والظل وتتبدد البرودة وتستبد شمس الصيف في المكان، لكن اصطفينا مكاناً آخر في الحديقة حيث لجأنا إلى بعض الأشجار في الداخل، وحاولنا أن نتجمع تحتها، حتى لا تفسد الأطعمة والمنتجات الطبيعية.
نحن موعودون منذ عام 2012 بالانتقال إلى حديقة السلطان القريبة من نادي صف الضباط، لقد توقف العمل على الأمر فترة طويلة خلال الحرب الظالمة على بلدنا ولكن رجع اليوم العمل والنشاط وبدأت الأشغال عسى أن نأخذ لنا مكاناً فيها بالقريب العاجل.

 

وأكدت أن أعمال الجمعية ونشاطاتها لم تتغير وازدادت وطأتها في الشتاء الماطر، حيث كان لهم حملات تشجير واسعة طيلة شباط وآذار في موسم الزراعة والتشجير طالت جبالاً وتلالاً في صلنفة والبسيط، كما أن لهم زياراتهم كل يوم أربعاء لمرضى السرطان في مشفى تشرين الجامعي بحملة (نعم للحياة) وغيرها من الزيارات لدار المسنين، وأيضاً نشاط التأمل والتوعية البيئية والرسوم والنظافة وغيرها في المدارس والحدائق العامة لنشر الوعي البيئي والصحي والغذائي والمحافظة على أمنا الأرض، وهم يتأهبون لحملات النظافة في الشاطئ عما قريب، بالإضافة إلى هذا السوق لتصريف منتجات المزارعين وصغار المنتجين لتشجيع الزراعات العضوية الطبيعية ومزارعيها، ويرافق السوق نشاط كبار صغار لتعليم الأطفال الرسم كما يشاركنا الفنان سمير الطرب بعزف منفرد يشعر بالفرح والسرور.
أبو علاء وقد طالته أشعة الشمس رغم أنه حاول استبعادها قال: أنا عضو مؤسس في الجمعية ومزارع من القدموس، وكل هذه المنتجات من حبوب وعسل هي من محاصيل أرضي وزراعتي، وما ينقصني يمكن أن آتي به من زراعات أخوتي وأهل قريتي، اليوم كانت حركة الزوار خفيفة وراكدة مياهها وأظن السبب هو فترة امتحانات وشهادات.
الزراعة الطبيعية مكلفة جداً ومحاصيلها قليلة وما يحسب على البيدر ليس هو ما يبذر، كما أن تكاليف النقل زائدة فمن القدموس آتي بسيارة إلى الكراج وتكسي، والاشتراك بطاولة في السوق ألفا ليرة وغيرها من الالتزامات التي توجب أن تكون من الطبيعة والسماد الطبيعي ليكون منتجاٌ طبيعياً صحياً كما عند الآباء والأجداد، القمح من أرضه بسعر 350 ليرة إذا طحنته ب50 ليرة للكيلو وأبيعه ب400 ليرة بقشره، الحنطة أيضاً دقها بالجرن يكلف 1000ليرة يعني 200 ليرة على الكيلو وسعرها 350 ونبيعها 400 ليرة ويقول الزبون غالية، محاصيلنا بجودة عالية تحافظ طيلة عام كامل على رونقها وشكلها وقوامها ولا يمكن أن تجدي فيها أي شائبة، يمكن أن تأخذي البقول والحبوب نظيفة لتضعيها في طنجرة الطبخ على الفور.
لدي ثلاثة أولاد في الجامعة، وزوجتي مريضة في كانت تأتي إلى السوق لأجل خبز الصاج، وأنا أعاني من عمل جراحي (ديسك) وعملي مزارع وقد حذرني الطبيب من حمل كيلو واحد لكنه العيش ولا معاش دون حمل عشرات الكيلوات من المنتجات وغيرها من هموم الحياة، والحمد لله (ماشي الحال).
سلوى أبو خليل تشتكي وتقول: لن أخبز بعد اليوم في السوق، لا يوجد حطب في الحديقة وقد صرف ونقل ولم يعد بإمكانها الخبز في التنور، فهي طوال سنوات مضت تخبز الفطائر والمحمرة على وهج نار الحطب المؤمنة لها كل يوم سبت، لكنه قل بل ندر وجوده اليوم، ويصعب جلبه من قريتها في صلنفة بسيارة مثقلة بالأغراض.

 

    

وتتابع بألم: لا توجد شجرة لنستظل تحتها، والشمس حرقتنا ودهورت آمالنا وطالت صحتنا، إذا اليوم أمنّ لنا أحد الرجال الخيرين الحطب ولمه من حدائق أخرى وله جزيل الشكر والامتنان، فغداً لا نعرف المصير.
نهلة شعبان في جيئة وذهاب تتلافى أشعة الشمس التي تلقفت طاولتها وتسلطت على طاولتها التي حملت بأنواع مختلفة من الطيبات، حلوى بطحين الشعير والشوفان والعصائر والدبس والقهوة والشوكولا و.. الخبز من الطحين المبرعم نواته، أشارت إلى أنها لا تستخدم السكر المصنع وكل ما هو عندها طبيعي ومن دبس العنب وتحتاج عجينة حلوياتها إلى الصبر والهدوء والمداراة فهي جداً حساسة ومحشية بالتين، كما أن قهوتها صنعتها من نوى التمر التي تفتقد للكافيين، وأشارت إلى أن ولدها محمد من ذوي الحاجات الخاصة (داون) وقد أكرمها الله وخصها به هو اليوم قد كبر وأصبح شاباً ليساعدها ببعض الأعمال مثل فصل بذور التمر وبعض الثمار في تجفيفها كما يقوم بتنظيف وتنسيق الأعشاب العطرية وأوراق العنب والنعنع والميرمية و.. كما أنه يرتب البيت، ولديه أشغال يدوية يمضي يومه في صناعتها مثل السجاد كما يحب الرسم ولديه لوحات جميلة أود أن أؤطرها له وأعرضها في السوق كمعرض متنقل، أريد أن يكون له عمله ويعرف قيمته، يسألني عن الأجر والنقود كلما دخلت البيت، كما أني أحضرت له بعض الطيور ليعتني بها وقد أفرحه ذلك أريد أن يكون له مشروعاً خاصاً به ويقوم بأعماله، إنه مميز وكل يوم معه أرى فيه الجديد والمستقبل.
أمل شعبان، طاولتها تعج بصناعات تعجب وتجذب الشباب الصغار، أساور وقلادات بأشكال وأحجام مختلفة وألوان تروق لها النفس، مشغولة بأصابع فنانة لطالما خبأت شغفها بهذه الحياكة والصياغة إلى أن فتح لها المجال في هذا السوق لتبدع وتبحر، كما أنها تسعى ليطال فنها ويلامس أصيص الشوكيات والأزهار، حيث جذرت الفروع الصغيرة في أصص لا يتعدى حجمها عقلة إصبع بألوان الربيع، كما لمشرطها أن يأتي بخشبية صغيرة وينحت (مفتاح الحياة).

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار