نعيش بالتقسيط .. دفعات تراكمية وعجلة جمعية أو قرض !

العـــــدد 9369
الأربعاء 19 حزيــران 2019

 

 

لم يعد واحد منا يعيش بغير قرض أو جمعية مالية مع الأصدقاء وزملاء العمل، والتي لم ينجُ منها غير من له موارد أخرى من مآرب وغايات رجاها و (استرجاها) أو من ورثة أو من شح، وفي كل الأحوال لن تصمد كثيراً، فالأسعار تحرق الأخضر واليابس مما ادخر وأسلف ليصرف بالمعلوم، إذ انكمش قميص الراتب وانكشف جسده السقيم وقصرت يد ذات الحيلة عن معظم الحاجات، وكان ستر الحال من المحال عند كل العائلات، نعيش كل يوم بيوم، فنحن جزء من مجتمع استهلاكي لا نعرف غير التبضع والشراء، وهمومنا ليست خارج هذه الدائرة، نكترث للحاضر ولا نفكر بالمستقبل، نستنزف مالنا وقوانا فيأكلنا الراتب ولا نأكل منه، ونعترف بأننا لا نستطيع التكيف مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية أضعافاً مضاعفة وتدني الرواتب والأجور ولا وجود لخطة لتحسين المستوى المعيشي عند ذوي الشأن في الدولة، فبات الواحد منا يستغني عن بعض حاجاته وحتى ضروريات الحياة من قائمة المشتريات ليقع في مستنقع الفقر ويتلظى وسط مجتمع يتلبس المظاهر والعصرنة ويبيح الكماليات، والتي أتاها بحل إسعافي جمعية مالية ليس فيها فائدة وضريبة أو قرض من البنك أو التمويل الصغير، والذي فيه ما يزهق الروح في أي راتب موظف كان من فئة أولى أو خامسة، مسؤول ومدير أو موظف وعامل، لنعيش جميعاً بالتقسيط..

جميعهم داخل محيط دائرتي الاجتماعية من أهل وأقرباء وجيران وأصدقاء وزملاء عمل و…. يدخلون سور قروض وجمعيات، حتى أن زميلتي التي يروى أنها ميسورة وغنية، كل من سمع بأمرها تقدم أوراقها لأجل قرض تفاجأ وقال: (هي بدها تسحب قرض ع راتبها.. معقول) هموم الناس كثيرة وحاجياتهم أكثر ومتطلبات العصر الذي نعيشه في ازدياد والتحايل عليها أو تجاهلها من المحال فنرهق أنفسنا بالجري وراءها ونزهق لأجلها الراتب والمعاش ونرتق ثوبها بالقروض والجمعيات.
مجد، مهندس أشار إلى أنه تجاوز الأربعين من العمر ويحاول الزواج والسكن تحت سقف بيت بجدران ليبادرنا بالقول: أعيش منذ سنوات بالتقسيط، ولست الوحيد على هذه الحال فكل من أعرفهم مثلي، ولولا أبي قد أورثني بيتاً رحمه الله لعشت عازباً طوال العمر، قسمت راتبي بين قرض وجمعيات مع زملاء العمل بأقساط ودفعات مع بداية كل شهر، لأعيش أيامي بتقتير وحسرة، خطيبتي تواسيني وتمهلني القول: (بكرا تنفرج) لنتحمل قليلاً، لكن حماتي تقرعني كل حين وتوجه لي القول: ألا ترى (عديلك) وما يأتي به كل يوم فلما لا تكون مثله؟ آه كم هذه الحرب اللعينة غيرت الناس وفعلت فعلها في نفوسهم ليكونوا تجارها ومساومين لأجل عيش بفائدة لا ضريبة عليها وأنا الحياة عندي سالكة بصعوبة لتراكم الأقساط والدفعات ولا بديل عنها، أعيش تحت نير هذه الحال بل ازدادت وطأتها باقتراب موعد العرس الذي يتطلب حفلة زواج كما تريد حماتي وباقي جهاز العروس، وأسأل نفسي متى أكون حراً طليقاً خارج حلبة القروض والمقترضين؟

 

 

سامر، موظف ولديه عائلة وثلاثة أولاد قال: إن متطلبات العائلة كثيرة كما احتياجاتها والتي تجعلنا وسط جحيم غلاء الأسعار مع راتب محدود وأقساط، وأشكر زميلاتي بالعمل عندما يشعرن بضائقتي المادية يسرعن القيام بجمعية، وأفضلها على القرض بفائدة من البنوك رغم كل التسهيلات والإغراءات فيها، فالجمعية هي ما يشبه الادخار وما يوجد في الحصالات، حتى أنها أسهل من الاستدانة بالربا من شخص تعرفه أو تجهله يكون منه الخجل والإحراج والإهانة، وهي طريقة بسيطة ومشروعة تلبي حاجاتنا وتحل مشاكلنا الطارئة وتفك شيفرة ضائقتنا المعيشية لتفرج همومنا، ونقضي حياتنا وأيامنا بالجمعيات والأقساط بدفعات ونزكب عجلتها رباعية كانت أو حتى سداسية بلا تعريفة أو أثمان.
سوزان، معلمة: أشارت بأن الجمعية بين الأصدقاء هي قبلة الحياة لبث الروح من جديد في يومياتنا، قالت: الجمعية فيها تحايل الإنسان على غلاء المعيشة ومحاولته تحقيق بعض الأحلام التي تحوم في مخيلته، وهي طريقة شعبية اقتصادية توفر المال وتحجب الربا والفائدة منتشرة في المؤسسات والمديريات وبين الجارات، فيها تكافل اجتماعي وتيسير لأمور العباد مثل: زواج، مرض وعملية جراحية، بيت وأثاث، حتى مدارس ومونة.. وغيرها الكثير في هذه الأيام وظلال الحرب التي خيمت علينا كل هذه الأعوام، لتجعلنا نكابد الأمرين، ولم ينج منها إلا كل من حط الرهان بخسران وفوائد، ليجعل أيامنا سوداء.
أخيراً لا بد من ذكر أن بعض الجمعيات الأهلية والخيرية أعطت منحاً ومعدات لأجل مشاريع للشباب والسيدات لمساعدتهم مادياً وتشجيعهم للانصراف نحو الحياة والتفكير بمشروع منتج يبعد عنهم شبح الحاجة والسؤال ويحول عنهم الدين والاقتراض مثل دير مار يعقوب.
القروض مبالغ مالية يتم الحصول عليها من البنك أو الشركة لتغطية نفقات وأمور هامة وطارئة، هناك أشخاص لا يستطيعون العيش ومتابعة مسيرة حياتهم إلا بها.
السيد مروان خليل موظف: الراتب يكفي لنصف الشهر أو بقليل من الإدارة والحكمة، ولكن لا يمكن توفير مبلغ منه للاستعانة به في حال حصل ظرف طارئ ولا بد من القروض بالرغم من الأقساط الشهرية التي ترهق الراتب ولكنه الحل الأنسب، اقترضت مبلغاً من الإدارة التي أعمل بها لإجراء عملية جراحية لوالدتي وهذا ما أثقل الراتب والآن أعمل مع الجيران في الزراعة والبيوت البلاستيكية لتسديد الأقساط، والذي يواسيني ويخفف أتعابي هو سلامة أمي.
الجمعيات المالية للهروب من فوائد البنوك
السيدة سارة خضور موظفة: إن تنظيم الجمعيات المالية تأتي نتيجة تزايد الأعباء التي تواجهنا فضلاً عن حاجاتنا سواء لدفع نفقات المدارس والجامعات أو لشراء أثاث منزلي وتوالي المناسبات أو تزامنها في وقت محدد مما يترتب التزامات مالية كثيرة وغالباً ما يرتبط التسديد بالراتب و تستمر لسنة أو سنتين بحسب عدد المشاركين فيها والمميز خلوها من الأرباح كما تعتبر حلاً مثالياً للكثير من الموظفين في الهروب من القروض من البنوك.
من جهتها مريم عبد الله وهي موظفة في دائرة حكومية أكدت بقولها: إن الراتب ضعيف جداً مقارنة مع الاحتياجات وليس بالإمكان سد نفقات الالتزامات المالية بشكل عام، والحاجة إلى وجود تقنيات حديثة في المنزل كالموبايل واللابتوب والدروس الخصوصية للأولاد كل ذلك يدفعني دائماً إلى القروض وقد اعتدت على ذلك لأنني وجدته الأفضل من الديون والذل للآخرين ولا أهتم للفائدة التي تحتسب المهم لا أحد يدق باب ويطالبني برد مستحقاته أو توجيه الكلمات الجارحة.
السيد أنور الصافتلي: قرض صغير قد يفتح أبواباً واسعة في الحياة وتعيش عدة عائلات من خلاله، القروض والجمعيات شيء أساسي وضروري لمساعدة الراتب، وبقرض بدأتُ مشروعي بافتتاح محل تجاري صغير والحمد لله أصبحت الأمور أفضل، وأعيش أنا وعائلتي مما ينتج ذلك المحل، وأشجع الفكرة لأنه أمر لا بد منه وخصوصاً أصحاب الدخل المحدود.
السيدة إناس علي: هناك أنواع كثيرة ومتعددة للقروض وأيضاً تختلف فوائدها وميزاتها ولكن أنا أوجدت لنفسي بنك خاص أقترض منه وهو المصروف الشهري أقترض منه مبلغاً قليلاً وأتشارك بجمعية مع صديقاتي وأجمعها لأجدها في موسم المونة وافتتاح المدارس وبدون فوائد وجميع العائلة اعتادوا على ذلك وزوجي يبقى مطمئن البال بهذا الخصوص.
أحياناً القروض لفك ضائقة مادية، وقد تكون سبيلاً لمصروفات زائدة.
أما الصبية سندس: أنا أحب التسوق كثيراً، وأرغب أن أكون مميزة سواء بثيابي أو تسريحات شعري ودائماً أقترض مبالغ مالية من أجل ذلك وفي بداية كل شهر عندما أدفع القسط أقول: لن أكرر ذلك ولم أفلح يوماً فقبل نهاية الأقساط أجدد الأوراق وهكذا بدأت منذ سنوات وما زالت الحكاية مستمرة.
لا يمكننا أن ننكر أنها فرصة أمام الشباب كي يبدأ الواحد منهم حياته العملية بمشروع متوسط أو صغير حسب الظروف المتاحة والإمكانيات المتوافرة فالأحلام الكبيرة تبدأ دائما بخطوات صغيرة.

هدى علي سلوم – معينة أحمد جرعة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار