زيـــــارة

العدد: 9368

18-6-2019

زرت مدينةً نوافذ بيوتها تتمرّغ في السحّاب، وكانت أشبه بجبال إسمنتية تكسوها أشجار الضّوء.

الناس هناك لا يستخدمون الألفاظ، بل أبواق السيّارات، كم اشتقت لبيتي المطلّ على نهر البلدة، وكم أرعبتني خطوات النّاس المتلاحقة، فهي تضغط الأرض كبحر يغوص في أعماقه!
هذه المدينة كانت محشوّةٌ بالغبار والأبخرة والدخان، كجوارٍ يهرب من جواره! أما دروبها الحافية من الاخضرار فقد جعلتني أتشبث في مكاني كحارس في متحفٍ أثريّ قديم، تمرّ من أمامي امرأةٌ تجرُّ كلباً ذهبيّاً، وشاب يكاد يهجره بنطاله!
ما زلت في مكاني أدقّق النظر في متجر يحتفل برؤوس اليوم والشهر والسنّة، لكنّ الرؤوس لم تكن تعتمر قبّعة أو كوفيّة أو شعراً مستعاراً، بل جميعها أشبه بنصف لحظةٍ تومض وتنطفئ!
في بلدي، كنت أدور بسؤالٍ، فألقى مع انتهاء النّهار عشرات الأجوبة، أما هنا فسؤال واحد يكلّفك شراً و… ربما عمراً بطوله وعرضه!
ما زلت في مكاني أنتظر ولا أنتظر، وفجأة يلسعني صوت جمهوريٌّ ينادي: أيّها الكسول.. أيّها الكسول.
كانت السّاعة تشير إلى الثالثة إلا الدقيقة السّابعة، حين ابتعدت السيّارة، عدت وأحلامي معلّقة في كأس ماءٍ يبدّد ظمأي، عدت على أنغام أغنية قام السائق بتدويرها، لم أفهم منها سوى أنّها أغنية تجرّ الحروف والكلمات جرّاً، وعندما اقتربنا من البحر كانت نوارس عنيدة تذهب وتجيء دونما استئذانٍ، وكأنّها تقاوم الازدحام، فترسل بنداءاتها المجهولة كسيّارات الإسعاف، أمام بحرٍ يضيق ويتلاشى كلما ابتعدنا وأوغلنا السير باتجاه البلدة.

سمير عوض

تصفح المزيد..
آخر الأخبار