مغامرات الأطفــال تصل إلى المطبـــخ

العدد: 9367

17-6-2019

 

يندفع الأطفال إلى المطبخ ويسارعون وراء والدتهم كلما أرادوا شراباً أو طعاماً، يترقبون ويتفحصون كل مفردة فيه إذ يشكل الحلم كما في مدينة ألعابهم والملاهي، ويركبون حصان أفكارهم لخوض المغامرة بإثارة وتشويق، فيطلقون العنان لعبثهم وفضولهم ويفلتون على طاولة المطبخ لتكون التجربة، التي أعدوا لها الأواني والصحون والسكر والطحين والفاكهة والخضار مع الشوبك والسكين، ومن كثرة الإلحاح ترضخ الأم لطلبهم لترتفع درجات الحرارة في المطبخ وتغلي الأواني المستطرقة والطناجر تحت شعلة فرحهم، لتكون النتيجة بعد خروجهم من المخبر صحناً شهياً ولذيذاً كما يدعون وسط فوضى عارمة تنبئ بانفجار بركان غضب.

 

أم غنوة أكدت بأن طفلتيها بعمر (8سنوات و10سنوات) تركضان وراءها إلى المطبخ كلما أرادت الطبخ، وتبدأان بالتوسل والرجاء أن تدع كل منهما لأمر (جلي وتنظيف الصحون، تقطيع البندورة والخيار) أما الانفلات الأكبر فيكون وقت تحضير الحلوى والكيك، حيث الطحين ينثر في أرجاء المطبخ تحت ريح أنفاسهما وأصابعهما التي تهوي عليها كل حين فتلتصق على الكفين عندها يبدأ الاختبار.
وأشارت إلى أن دخول المطبخ هاجس لدى كل الأطفال وخصوصاً البنات وكأن الأمر فطرة لديها تسأل وتستفسر عن كل صغيرة وكبيرة فيه حتى أن لكل منهما دفتراً صغيراً تكتب عليه الوصفة وترسمها كما في حكاياتها، وأمنية كل صغير حمل السكين وتقطيع الفاكهة والخضار، وله الحق في ذلك وتعليمه كل شؤون الحياة، لكنها تنزعج بعض الأحيان عندما يدركها وقت الغداء فتستنفر عليهما وتصرخ تطالبهما بالخروج، لكن عبثاً ما تقول، فالطبخة لم تنته بعد، أليس من حقهما تذوقها وتبيان النتيجة بفوز أكيد؟ ويكون لهما ذلك شرط خروجهما على الفور لتبقى أكثر من ساعة في التوضيب ولمّ الجلي وتنظيف المكان، لكنها راضية وفرحة بما كان حتى لو كان ما في الحسبان واحترقت الطبخة (من كترة الطباخين).
الطفلة جويل وأخوها جاد أكدا على أن المطبخ هو الطموح والهدف في يوم العطلة حيث يكون الأكل بوجبات تحضر بوقتها، ويفرحان كثيراً إذا ما دعتهما والدتهما لمساعدتها في الطبخ فهما يعيشان أجمل اللحظات وأمتعها وسط كل هذه الوسائل والتركيبات كما في غرفة الألعاب، ويشيران أن من حقهما مساعدة أمهما في تجهيز الكاتو والحلويات خصوصاً في أعياد ميلادهما، ووالدتهما تحقق لهما هذه الأمنية كل عام لكن في النهاية توبخهما على الفوضى وتكسير البيض على الأرض وسقوط الأواني وانزلاقها من اليد والكسر، وقالا: بعد أن نرتاح تسمعنا والدتنا بعض عبارات الإعجاب وأحياناً تأتي على التوبيخ ترافقها ببعض النصائح والتوجيهات لكن كل هذا لا يعني السقوط والزلات.
السيدة عفراء العلي، مرشدة اجتماعية أفادتنا حول أمر دخول الأطفال المطبخ لتكون المفاجآت وبعض الفوائد والإرشادات فقالت: حين تجتمع الأم مع أطفالها على طاولة المطبخ ليشاركوها تحضير الطعام والوجبات فإن لذلك الكثير من الفوائد:
تقوي رابط الصداقة بينهم وتقوم ببناء علاقة وطيدة تساعد على التفاهم بتخصيص بعض الوقت لهم واللهو معهم وتعليمهم بعض المهارات الصغيرة، وكل مرة نقول لن نعيدها لكن نرجع للقول: إنهم يتعلمون .. يتعلمون بعض المهارات الجديدة ويكتسبون المعلومات حول صناعتها وتركيباتها، موطنها وأصولها، كما أنهم يتعلمون مشاركة الآخرين والعمل الجماعي، وبالتالي لم يصعب عليه العمل ضمن فريق، تقبل الأصدقاء الجدد في المدرسة وتعزيز الانفتاح على الآخرين، بالإضافة إلى أن مشاركته في الإنجاز وإتمام المهمات يشعر بالفخر والبهجة تستولي عليه عندما يسمع المديح والشكر والثناء، فهو يعزز ثقته بنفسه ويدفعه لتطوير قدراته بهدف التطور والإبداع، وأيضاً عمله في المطبخ يستخدم لأجله حواسه الخمسة (ذوق وشم ورؤية ولمس وحتى السمع) وفي النهاية هو متعة وتسلية لا تضاهيها حديقة أو مدينة ألعاب، لكن عليك سيدتي الحذر وإبعاد أطفالك عن منطقة الخطر حين إشعال الموقد أو القلي وصعود البخار، كما من الضروري أن تختاري الوجبات سهلة التحضير وتحتوي على فوائد غذائية كبيرة، وأخيراً إن تحضيرهم وجبة لا يفضلونها يمكن أن تساعدك على اجتياز هذه العثرة ويدفعهم العمل فيها إلى تقبلها وأكلها.

السيد أحمد قره علي، علم نفس ينصح كل أم بدعوة الأولاد بناتاً وصبياناً لمشاركتها في أعمال المطبخ فهو ما قد يغير في نظرة المجتمع السائدة أن المطبخ والطبخ من مسؤولية الفتاة وحدها وهو غير صحيح بعد أن تساوت مع الشباب، فهي درست وتخرجت من الجامعة وتعمل خارج منزلها بجانبه، فلها الحق أن يكون جانبها في المطبخ ويمكن أن يسبقها إليه، حيث المطبخ يعد مركز تدريب لإدارة الأمور على التراتبية والتسلسل، كما يضمن تعليم المهارات الأساسية في الطبخ والاعتماد على الذات بالقضايا الأساسية وحاجة ماسة لدى الجميع وخاصة معظم الشباب هاجر لبلد الغربة بعيداً عن الأم والأهل ويريد أن يعيش ويأكل ويشرب، ويمكن أن تستثمر الأم هذه الأوقات في تعليم أطفالها بعض القيم أو حل مشاكل تعترضهم، وتوجيه بعض النصائح والقرارات بإرسال رسائل غير مباشرة لتستفيد من الوقت الذي يسمح لها بالحديث باهتمام وبعيداً عن جلسات الوعظ والإرشاد المملة والتي تدفعهم دائماً للنفور.

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار