ورود تزهــــو تحــــت نعـــال الحـــياة.. و«الــرجل مكســـــورة»

العدد: 9367

17-6-2019

 

(يا ورد مين علمك) تأسر قلوب الناس وتخطف بشذاك أنظارهم ليكونوا مستسلمين وشارين وزارعين حتى في بيوت ضاقت على أصحابها فإنها للورد توسع أصيصها وشرفاتها التي عبقت بألوانها فكانت حدائق غناء.
الناس في ذهاب وإياب على الطريق والرصيف، والكل ينحني لأجلها ويتلمس أطرافها ويسأل وينتظر الجواب: هذا الوردة بكم؟ 700 ليرة هل تزهر في الشتاء؟ بالطبع لا تزهر فقط في الربيع والصيف لكن نسغ الحياة يبقى ويمتد في الشتاء وباقي أيام السنة، أعطني إياها..

 

حبق وجوري وسجاد وشاشات وكاردينيا وتشكيلة واسعة من الرياحين وشتول الخضار (فليفلة وباذنجان وخيار و..) حط بها على الرصيف بأوانٍ وأصيص، هذه مصلحة جده كما قال السيد علاء مخيص: أبيع الورد وهو الأكثر مبيعاً اليوم لأن موسم زراعة شتول الخضار في أواخره وبعض الناس الآن تجني ثمارها وتنقلها إلى السوق لتصريفها وبيعها، لكني أبيع بالشتلة الواحدة وعددها لا يتجاوز عدد أصابع اليدين لأجل أصيص على الشرفات كما هو دارج اليوم، أبيع الوردة ببضع مئات والأصيص أشتريه بنصفها، كما تنال الجسد من التعب والإرهاق في عمل يومي وتحتاج (واحد رجله مكسورة) ليبقى في الأرض عاملاً باستمرار، وهو أخي المريض الذي أساعده في تصريف ثمار مشتله والمردود يعود للعائلتين.

وأشار إلى أنه يبيع الورود وشتول الخضار وشجيراتها بعد أن تعثر عمله وضاقت به الدنيا وسبل الحياة فيها، كان لديه وإخوته سيارات نقل يقصد بها درعا وحمص وحلب ليأتي ببعض الخضروات مثل الخس والذرا والبصل و.. والتي يضمن منها بعض الأراضي والمحاصيل الزراعية ويأتي لبيعها في سوق الهال باللاذقية، لكن في الأحداث والحرب الإرهابية على بلدنا لم يعد قادراً على السفر، حيث سلبت سيارته في كرناز بحماة ليعود ويبدأ ببيع السيارات لأجل العيش وقوت كل يوم، بعدها اشتغل في البحر على (لانش) اشتراه لأجل صيد السمك لكن أزمة المازوت دفعته لأن يبحر في غير مركب ويرسو على شط عيش آخر بأمان، فقد كان له من مخصصات المازوت كل مرة 50 ليتراً، لكن منذ بداية هذا العام وإلى اليوم لم ينل نصيبه من مادة المازوت غير مرتين وفي كل منها 36ليتراً، ولا يقدر على شراء المازوت الحر وبذلك فقد القدرة على الصيد وتأمين العيش، وهو ما اضطره للتفكير ملياً في رزق آخر وجد ملامحه تتشكل في ذاكرة عابقة بالماضي الجميل وصنعة أبيه وأجداده.

كانت الأرض التي ورثها وإخوته واسعة وتحتفي بمشاتل للورود و(سكاكيب) الخضار، لكن بعد زواجهم وتفرد كل منهم ببناء خاص بأسرته حيث قضمت الكتل الإسمنتية معظم الحقل وهضمت زرعه، ولم يبق منه غير مشتل صغير يقوم أخوه المريض بزرعه والاعتناء به، فكان منه أن شاركه العمل وبدأ بنقل الورود وشتول الخضار إلى سوق أوغاريت حيث كان الأب والجد و.. يبيعون منتجاتهم، لكن سابقاً لم تكن هذه الزراعة تكلف إلا القليل واليسير، والأسعار حالياً نار كاوية والبذار غال ويباع بالحبة الواحدة والبذرة، فقال: مثلاً كيس الخيار شتلة جاهزة للزهر وحمل الثمار بسعر 50 ليرة وبذرتها في الصيدلية الزراعية 50 ليرة، والورد والريحان نشتريه من المشاتل الأخرى فله خصوصيته وكل منها لها سعرها كما أن كل مشتل يبيعها بسعر لكني أحسب الرزق وأضيف عليه (50-100) ليرة فيها النقليات والأكياس والعبوات والأدوية وغيرها الكثير.. كما أن موسم الزراعة محصور بثلاثة أشهر بين أواخر الربيع وبداية الصيف، وفوق كل هذا الشقاء والبلاء تلاحقنا البلدية ورجالها لأننا نبيع على الرصيف، تابع قوله: لا نضيق على المارة ولا نسيء لمحلات البيع المجاورة بل نعطي للسوق جمالية وعطر الزهور، حتى أني أكنس المكان في الصباح والمساء، وهذا السوق شعبي ومصدر رزق للناس الدراويش، فليخففوا عنا جور هذه الأيام الصعبة، ويتركونا نعيش.

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار