الحوار محاولة للفهم ..وليس لتمرين الأوتار الصوتية!

الوحدة 6-1-2024

يخطئ من يعتقد أن الرجال والنساء يتحدثون اللغة نفسها، ويقصدون المعاني نفسها عندما يتلفظون بالكلمات نفسها، فمن المعروف أن الرجل أكثر ميلاً للمباشرة في الكلام، أما المرأة فلا تقاوم طبيعتها المتأصلة التي تفرض عليها اتباع استراتيجيات مركبة ومعقدة أحياناً لإيصال رسالة ما.
هناك جهد مبذول من بعض خبراء العلاقات الزوجية من أجل فك شيفرة مايقوله الرجل وما تقوله المرأة في المواقف العادية ولكن يمكن القول: إنه في الظروف الساخنة، وبالتحديد عندما ينهمك الزوجان في عراك صارخ، فإن ما يهم هو أن يلتقط كل منهما الإشارات الصادرة عن الآخر بشكل صحيح، ومن ثم أن يتعامل معها بصورة مناسبة وغير استفزازية، العراك ليس أمراً طيباً أبداً وخصوصاً عندما يكون الطرف الآخر هو الشخص العزيز على قلبك والقريب من وجدانك، ولهذا من غير المحبب أن نترك للظروف أن تستدرجنا إلى تلك المواقف الوعرة من دون أن يكون لإرادتنا دور، لماذا لايكون هناك تخطيط حتى بالنسبة إلى كيفية إدارة الخلافات الزوجية التي قد تنشأ من وقت لآخر؟
أول شيء في هذا السياق هو أن نحدد الظروف النفسية التي تعمل هي نفسها على توتير الأجواء مع الشريك الزوجي هل تزداد احتمالات اشتعال الموقف عندما تكون متعباً مثلاً؟
إن كان الأمر كذلك، فمن باب أولى أن تتخذ قراراً صارماً بألا تخوض في نقاش زوجي إلا إذا كنت في حالة استرخاء وصفاء. الشيء الثاني والمهم هنا هو أن تتعود فهم مطالب الآخر اعتماداً على مايصدر عنه من كلمات، وليس اعتماداً على تحليلك لما يصدر عنه من كلمات وإشارات وإيماءات وما وراء الإيماءات والنظرات إلخ.
ليس من المناسب أبداً أن تقرأ أفكار الطرف الآخر أو أن تزعم مقدرتك على فك طلاسم مايدور في مخيلته وأفكاره إن اللجوء إلى هذا التكتيك ينطوي على استفزاز كبير للطرف الآخر، إذ يوجه له رسالة خاطئة وسالبة.
إن أكبر مشكلة تواجه المتزوجين هي مشكلة الحوار، وأكبر مشكلة في الحوار هي الفشل في الإصغاء لما يقوله الآخر فكلنا ماهرون في الكلام، وعندما تقع الواقعة وتنتفخ أوداجنا غضباً وانفعالاً في لحظات الحوار الحامي، تصبح أوتارنا الصوتية أعلى من مكبرات الصوت. وتصبح ألسنتنا غنية بكل ألوان المفردات المكتنزة بالمعاني الكبيرة ولكن، في الظروف يتم إهمال ميزة الإصغاء، ويتم إقفال أجهزة الإستقبال أو معظمها فيما الحاجة تدعو إلى جعل تلك الأجهزة محور النقاش من أجل أن يفهم كل منا الآخر بشكل صحيح.
هناك أشكال عديدة للإصغاء، ويتمحور الكثير من تلك الأشكال حول حقيقة مفادها أن المستمع يريد الوصول إلى الاستنتاج التالي: (أنا على حق مهما كان الأمر )، من واجب الرجل أن يحاول انطلاقاً من طريقة الإصغاء المثلى، أن يفهم ما تقوله المرأة وماتعنيه، يتعين على الرجل أن يستثني إمكان الفوز أو الخسارة في حواره مع زوجته، فالمهم هو الوصول إلى الفهم والتفهم والإقناع وليس المهم أن تخرج من النقاش منتصراً.
إن الوصول إلى نقطة التفاهم هو الذي يمثل الانتصار الحقيقي للرجل والمرأة على السواء وسيصبح الأمر سهلاً على الرجل إذا ما أتقن فن التقمص أي إذا ما فكر في الأمر من زاوية المرأة نفسها.
الإصغاء مهم بلا شك من أجل استقبال الرسالة كما هي، وهنالك شيء آخر مهم هو أن تتأكد من أن الآخر قد استقبل كلماتك كما هي وكما هو المقصود منها، أم بشكل مختلف ؟ عليك أن تلعب لعبة المتابعة هنا بحيث إنك عندما تتفوه ببعض الكلمات والعبارات، فإنك مطالب بمتابعة وقعها على زوجتك وما إذا كانت قد فهمتها بالشكل الصحيح أم لا
وعندما تكتشف أنها قد فهمتها بطريقة خاطئة لاتتورع عن إعادة ماقلت بهدوء ووضوح مستخدماً كلمات أخرى ووتيرة مختلفة، وبعد أن تعيد على مسامعها ما قلت تأكد مرة أخرى من أنها تلقت المعنى المراد مما قلت وافعل الشيء نفسه عندما تتلقى منها رسالة ما، اسألها إن كانت تقصد كذا أم كذا، وأعد على مسامعها المعنى الذي فهمته من كلامها بالضبط طالباً منها أن تؤكد أو تنفي.
إن الكثير من الأوراق المختلطة في الحوارات الزوجية تنجم عن سوء فهم الرسائل أكثر مما تنجم عن الرسائل نفسها، وعندما نبذل جهداً من أجل فهم تلك الرسائل على نحو سليم فسيكون بمقدورنا أن نتعامل مع المواقف كما هي وبحجمها الطبيعي لا بصورة مضخمة وخاطئة.

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار