نمـــو ســــياحة الآثـــار.. خطـــوات وترميمــــات

العدد: 9365

الخميس: 13-6-2019

لا تزال الجهات المعنية بالمجال الأثري والثقافي في محافظة اللاذقية تحاول تقديم ما بوسعها لإظهار اللاذقية بصورة محافظة سياحية ذات غنى وتنوع حضاري قلّ نظيره في الشرق.. مما قد يؤهلها لتكريس واقع السياحة الثقافية أكثر فأكثر من عام إلى آخر.
وفي تصريح للوحدة أوضح إبراهيم خير بك مدير آثار اللاذقية أن السياحة الثقافية هي حجر الأساس في السياحة السورية على وجه العموم، لأن المادة التي يتطلبها هذا النوع من السياحة متمثلة بالشواهد التاريخية… ومن المعروف أن الأوابد الأثرية متوفرة بكثرة في مختلف محافظات القطر.. حيث يحقق الإقبال عليها عوائد اقتصادية خاصة إذا ما كانت تتمتع بخدمات سياحية ممتازة، يمكن أن تجعل الإقبال على هذه المواقع يتزايد بشكل مطرد من عام إلى آخر.
وأكد خير بك أن اللاذقية تقدم بانوراما مختزلة للمشهد التاريخي الخصب في سورية من خلال مجموعة آثارها التي تعود إلى آلاف السنين مروراً بكل العصور كما هو الحال في موقع ستمرخو الذي سكنه الإنسان منذ مليون سنة وصولاً إلى أوغاريت حيث لوحظت بقايا خمس حضارات تبدأ بالعصر الحجري الحديث في الألف الثامنة قبل الميلاد وتستمر حتى عصر البرونز الحديث في الألف الثانية قبل الميلاد، كما الأماكن التي تعود إلى الفترات اليونانية والرومانية والبيزنطية.
ولفت خير بك إلى أن نسبة عالية من السائحين تقبل على زيارة المواقع الأثرية المختلفة في المحافظة كموقع أوغاريت وقلعة صلاح الدين إلى جانب العديد من المعالم التاريخية الأخرى كقلعة المهالبة والقلعة الهلنستية وأعمدة باخوس والقوس الكبير وميناء اللاذقية ومدرج جبلة الأثري والمتحف الوطني، إضافة إلى الجوامع والكنائس والأديرة والأحياء والأسواق والأزقة والتلال والمدافن والقصور والقناطر والبوابات الأثرية، وحول الواقع السياحي بشكل عام – خاصة هنا في اللاذقية – أشار خير بك إلى أن السياحة لم تعد قاصرة اليوم على المترفين، إنما باتت تتخذ لنفسها طابعاً جماهيرياً وشعبياً الأمر الذي دفع دائرة الآثار والمديرية العامة بدمشق إلى تكثيف جهودها لتنشيط السياحة الثقافية التي تستقي حضورها من التراث الثقافي الطبيعي متمثلاً بزيارة المواقع الأثرية وحضور المهرجانات التي تقام في هذه المواقع والإقامة والتجوال في المحميات الطبيعية.
كذلك يشكل التراث اللامادي جانباً مهماً لإغناء هذا التطبيق السياحي من خلال استهلاك السائح المحلي والأجنبي للمنتج اليدوي التراثي والمطبخ المحلي التقليدي والأزياء الشعبية والإقامة في الأبنية التاريخية أو لدى السكان المحليين… مشيراً إلى أن هذه السياحة نشطت الاقتصاد المحلي في السنوات الأخيرة في المناطق الغنية بالتراث الثقافي.. وفي هذا الإطار تسعى وتعمل مديرية الآثار إلى تطوير المواقع الأثرية التي يقصدها السياح باستمرار لكي يتم إظهارها وإبرازها على أفضل وجه أمام روادها من خلال التحضيرات الموسمية لاستقبال الوفود السياحية.
وعلى سبيل المثال يتم هذا العام مشروع تأهيل وترميم قلعة صلاح الدين كالأبراج والأسوار الرئيسية في القلعة ويتضمن فك وتركيب حجر موجه وفك وتركيب حجر فرنجي وتركيب حجر شك وتقبيب البرج الفرنجي وتركيب حشوة تقليدية وتقديم وتركيب كحلة.
كما وتتم معالجة انهيار جزء من السور الشرقي الجنوبي الذي يصل بين أبراج في قلعة صلاح الدين وذلك نتيجة الأمطار الغزيرة والصقيع والعوامل الجوية المختلفة بالساحل السوري وهذا السور الحجري الضخم يحمل أقواساً فوقه وقد تم الانهيار باتجاه داخل القلعة فوق خزان المياه الشرقي ويبلغ ارتفاع السور من جهة داخل القلعة حوالي 15 متر ويرتفع من جهة خارج القلعة والمطل على الشارع العام حوالي 50 متر علماً أن طول الجدار المنهار 11 متر وارتفاعه 8 متر.
ونظراً لأهمية هذا العمل وتدعيمه إسعافياً حرصاً على عدم انهيار أجزاء أخرى نقوم بإجراء الدراسات الترميمية اللازمة، كما نقوم لضرورة العمل إجراء أسبار أثرية ومعمارية وإنشائية للأرض بمحاذاة الأبراج والمناطق الأخرى والتي تعطينا معلومات أثرية وإنشائية أسفل مكان الانهدامات السابقة وذلك لمعرفة طبيعة الأرض ومدى عمق التشققات وشكلها وطبيعتها، وذلك بعد الأضرار والتخريب اللذين تعرضت لهما قلعة صلاح الدين الأيوبي في اللاذقية من قبل التنظيمات الإرهابية المسلحة والتي طالت موقع القلعة وتاريخها وأقسامها وأبراجها وأسوارها ومواقع الضرر والحرق بفعل الإرهابيين بالإضافة إلى تقييم لبعض المشاكل الموجودة في القلعة والتدعيم المؤقت وآليات العمل في الموقع والحلول المقترحة.
كما ويتم توثيق العديد من المباني الأثرية الهامة بالتعاون مع الجامعات السورية ومركز شايو للدراسات العليا في مجال ترميم وتوثيق الآثار السورية مثل قلعة مرفأ اللاذقية والبئر المكتشف في القلعة والكازينو ومبنى قيادة الشرطة وعين ماء شورب وبعض الخانات والمباني القديمة باللاذقية.
كما يصنف التراث الشعبي بشقيه المادي واللامادي بأنه أحد مكونات الهوية الوطنية وسمة من سمات أصالتها وتعدّ حمايته مسؤولية تقع على عاتق الجميع ولاسيما مديرية الآثار والمتاحف التي تسعى لتطبيق استراتيجية حفظ وصون لهذا التراث وفق معايير الاتفاقات الدولية ذات الصلة والتي وقعت عليها سورية عام 2003 لإبقائه حياً في الذاكرة والوجدان من خلال السعي للتعريف به، ونظراً لضرورة الحفاظ على القطع التراثية من الاندثار تم تشكيل فريق عمل للمحافظة على التراث عن طريق توثيق وأرشفة الأدوات التراثية في المركز الثقافي في قرية عين البيضا في اللاذقية.
وأضاف: هناك الآلاف من العناصر التي نشأت في الحضارات السورية المتعاقبة من حكايات شعبية وأغان وموشحات وعادات وتقاليد مرتبطة بالزمان والمكان وبالتجمعات البشرية في أمكنة وأزمنة مختلفة والتي تشمل عدداً لا متناهياً من العناصر اللامادية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتراثنا وهويتنا وما زال بعضها قائماً ويواجه خطر الاندثار وبعضها سرق من قبل شعوب أو دول أخرى، وأشار إلى الحِرف والألعاب التقليدية التي انتشرت في هذه المنطقة معدداً بعضاً منها وهي حل الحرير من شرانقه وتطريز المنادل الحريرية و تقشيش الصواني وصنع الملاعق الخشبية وجرش البرغل إضافة لإحياء بعض الألعاب الشعبية مثل لعبة /المنقلة/ موضحاً أن فريق التوثيق قام بتوثيق نماذج لقطع تراثية متنوعة كالباطوس الذي يوصف بأنه حوض لقشر البرغل أو هرس العنب أو الزيتون بني من الحجر المدعم بأحجار متنوعة الأحجام و توجد في منتصفه حفرة وهي قطعة بازلتية مستديرة يوضع عليها البرغل بغية قشره كما يضم خرزة باطوس وهي إسطوانة بازلتية مفرغة وعلى سطحها تجاويف للمساعدة في قشر البرغل وموصولة بإسطوانة خشبية يجرها حيوان يدور حول الحوض كما يرش البرغل بالماء أثناء الجرش، كما تم توثيق صندوق /عنبر/ المصنع من الخشب والمعدن وهو عبارة عن حجرة واحدة لها غطاء علوي مربوط بمفصلين من الخلف وأثر لقفل من الأمام ويستخدم لتخزين التين وله واجهة عبارة عن مربعين عليهما حزوز في المنتصف وفيه قوائم أمامية تشبه الدرج أما الخلفية فعادية.
كما وذكر مدير الآثار أن برنامج التوثيق المتحفي يهدف إلى توثيق تفاصيل كاملة عن كل قطعة أثرية محفوظة في المتحف الوطني والتي هي بمثابة هوية تعريفية في حال السرقة أو الأزمات يمكن استردادها بسهولة كبيرة عن طريق المنظمات الدولية.
ولفت إلى أن البرنامج يهدف كذلك إلى إحصاء القطع المتحفية الموجودة مع تأمين سهولة الرجوع إلى كل قطعة أثرية والمعلومات الخاصة بها بالإضافة إلى سهولة وصول الباحثين إلى القطع المراد دراستها وأخذ كافة المعلومات عنها من البرنامج، يتم هذا العمل بواسطة فريق عمل فني متخصص من الدائرة عبر مراحل عدة تتمثل بإعطاء كل قطعة أثرية رقماً عاماً وخاصاً ووصف القطعة وحالتها والقياسات الدقيقة مع الاسم العلمي لها وتصوير كل قطعة أثرية صورة فوتوغرافية أو أكثر حسب الحاجة، كما يقوم فريق العمل بتخزين كامل المعلومات والصور ضمن البرنامج عبر شبكة الأنترنت الداخلية مع المديرية العامة للآثار والمتاحف بدمشق.

 مهى شريقي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار