الوحدة _د. رفيف هلال
في كل عام، وتحديداً في الثلاثين من آب، يعلو صوت الذاكرة الإنسانية ليذكر العالم بمأساة ضحايا الاختفاء القسري. وفي سوريا، تبدو هذه الذكرى أكثر قسوة وإيلاماً، إذ تحولت البلاد منذ سنوات إلى واحدة من أكثر البيئات التي تتكاثر فيها قصص الفقدان والغموض حول مصير آلاف المفقودين.
الاختفاء القسري لا يُختزل بمجرد غياب شخص عن محيطه، بل هو عملية اقتلاع من الحياة نفسها. في سوريا، ارتبطت هذه الجريمة بممارسات ممنهجة طالت نشطاء سياسيين، مدنيين، طلاباً، صحفيين، وأشخاصاً لا علاقة لهم بالسياسة في عهد النظام البائد. وغالباً ما يتم اعتقال الضحية من الشارع أو من منزله أمام أنظار أسرته، لتبدأ رحلة طويلة من البحث والانتظار تنتهي في أغلب الأحيان بلا إجابة.
لا يتوقف الألم عند الضحايا، بل يمتد ليشكل جرحاً مستمراً لعائلاتهم. الأمهات اللواتي يعشن على أمل رؤية أبنائهن، الأطفال الذين كبروا بلا أب أو أم، الزوجات اللواتي يقفن بين اليقين والفقدان. هذه الحالات لا تخلق فقط معاناة فردية، بل تصوغ أزمة اجتماعية وأخلاقية تترك بصمتها على أجيال قادمة.
رغم أن القانون الدولي يعتبر الاختفاء القسري جريمة ضد الإنسانية، إلا أنّ الضحايا السوريين ما زالوا عالقين بين غياب الإرادة السياسية وضعف آليات المساءلة. وفي وقتٍ كانت تتعالى فيه النداءات الدولية، كان يستمر الصمت داخل سوريا حيث يُمنع الأهالي حتى من السؤال عن أبنائهم خوفاً من ملاحقات جديدة.
إن إحياء ذكرى ضحايا الاختفاء القسري في هذا اليوم العالمي ليس مجرد طقس رمزي، بل هو تأكيد أن الذاكرة أقوى من محاولات الدفن. في سوريا، يحمل هذا اليوم رسالة مزدوجة: أولاً، تكريم أولئك الذين غُيّبوا قسراً، وثانياً، تذكير المجتمع الدولي بأن العدالة لا يمكن أن تتحقق بالصمت أو النسيان.
رغم قسوة الواقع، يظل الأمل حاضراً في حكايات الأمهات اللواتي لا يتوقفن عن المطالبة بكشف الحقيقة، وفي جهود منظمات حقوق الإنسان التي توثق وتنشر، وفي كل كلمة تُكتب لتبقي القضية حيّة. فالمحاسبة قد تتأخر، لكن التاريخ يثبت أن ذاكرة الشعوب لا تُمحى، وأن صوت العدالة مهما ضعف سيظل يتردد حتى يُسمع.