أوضح الدكتور الخليف أن القضية بدأت أوائل عام 2017، بعد انتهاء المعارك بين تنظيم “داعش” وقوات النظام السابق في بادية حمص الشرقية، وسيطرة النظام على المنطقة التي تضم معمل وحقل غاز. كشفت لجنة فنية مختصة عن أضرار جسيمة في المنشأة نتجت عن المعارك وتمركز قوات النظام السابق داخل مقر الشركة.
وأشار إلى أن المعاينة الفنية كشفت وجود تسرب كبير للغاز من “فواصل الضغط” عبارة عن (أوعية لفصل الغاز عن الماء والمشتقات الأخرى). قُدّرت الكمية المهدورة يومياً بنحو 150 ألف م3 ، أي ما يعادل 10,500 أسطوانة غاز يومياً، في وقت كان السوريون بأمس الحاجة إلى الغاز المنزلي.
بين الخليف أنه في محاولة لإصلاح الوحدة المتضررة وضواغط المعمل، تعاقدت شركة الغاز مع شركة متخصصة بالأعمال الفنية والهندسية لإيقاف التسرب في آذار 2018، على أن تُنجز الأعمال بحلول أيلول من العام نفسه. غير أن خلافاً نشب بعد شهرين بين الوزير والمسؤول عن العمل، مما دفع الوزير إلى إيقاف عمل الشركة الفنية بناءً على تقارير لجان زعمت وجود مخالفات من الشركة المنفذة، وصدر قرار بوقف أعمال الصيانة.
نتج عن ذلك استمرار تسرب الغاز لمدة عام ونصف العام (من 24/07/2018 حتى 10/02/2020)، تم خلالها التخلص من الغاز المتسرب عبر إشعاله لتجنب التلوث الجوي. وأكد الخليف أن شركة الغاز حاولت مراراً عبر مراسلات موثقة إعادة تفعيل أعمال الصيانة، لكن الوزير أصر على موقفه ورفض عودة الشركة الفنية، مما أدى إلى زيادة الكميات المهدورة.
لفت الخليف إلى أن الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بدأت التحقيق في القضية بناءً على إخبار من جهة متنفذة، وشكلت بعثة تفتيشية في 03/08/2020. غير أن الوزير المتورط أُعفي من منصبه في 30/08/2020 نتيجة تغيير حكومي. واستعانت الهيئة بلجنة خبراء نظراً للطبيعة الفنية للقضية، اعتماداً على مهندسين متخصصين لتقدير الهدر.
وأضاف أن المهندسين، بسبب حساسية القضية وتورط وزير وأشخاص متنفذين، لم يتجرأوا على إجراء الكشف الفني، فتم الاستعانة بخبراء مستقلين. كما أُخذت أقوال الوزير اللاحق (الذي كان مديراً عاماً في الوزارة أثناء الواقعة واطّلع على القضية) والوزير السابق المتورط في 23/05/2021. إلا أن علاقات الأخير الواسعة مع منظومة فساد أدت إلى عدم اعتماد تقرير الهيئة (المؤرخ في 11/09/2023) وظل حبيس الأدراج حتى 19/06/2025، عندما تم إحياء القضايا العالقة.
أكد الخليف أن التقرير الموثق يظهر أن الكمية المهدورة من الغاز تجاوزت 46 مليون م3 خلال الفترة المذكورة. وُقدرت الخسائر المالية المباشرة بـ 4,654,000 دولار، مع خسائر إضافية فاقت 138 مليون ل.س نتيجة تغير سعر الصرف. بالإضافة إلى ذلك حُرِم المواطنون من مادة الغاز الأساسية ومن الكهرباء، إذ كان قسم من إنتاج الشركة يُوجّه لمحطات توليد الكهرباء.
أكد نائب رئيس الهيئة إحالة الوزير السابق إلى القضاء المختص وفقاً لقانون العقوبات الاقتصادي رقم 3 لعام 2013، بتهمة الامتناع عن تنفيذ الالتزامات الاقتصادية. كما تم الحجز الاحتياطي على أمواله وأموال زوجته المنقولة وغير المنقولة لضمان سداد مبلغ الضرر الذي ألحقه بالمال العام 4,654,000 دولار. وشدد الخليف على أن من واجب الوزير منع هدر المال العام ورفع مستوى الإنتاج، وهو ما لم يقم به.
من جهته، أكد مدير العلاقات العامة في الهيئة، مؤيد حمادة، التزام الهيئة الكامل بالوضوح والمحاسبة رغم الظروف والتحديات. وقال: لن نتوانى في مسؤوليتنا عن كشف الحقيقة ومعالجة الخروقات والتجاوزات بشكل حازم وفعال، عملاً بتوجيهات القيادة السورية بأن لا أحد فوق المساءلة.
وأضاف حمادة: لن نجامل ولن نساوم، بل سنعتمد على الأدلة والوثائق في كل إجراء وتحقيق، وسنسعى لحماية المصلحة العامة بعيداً عن أي ضغوط. ما عالجناه في هذا التحقيق ليس مجرد أرقام، بل قضية أثرت على حياة آلاف الأسر السورية التي حُرِمت مادة أساسية في أقسى الفترات. هذه الواقعة ليست هدراً للمال العام فقط، بل استهتاراً بمعاناة المواطنين”.
وشدد على أهمية دعم المجتمع المدني والإعلام للمسار الرقابي، مؤكداً أن أبواب الهيئة مفتوحة لكل من يملك معلومات أو وثائق تسهم في كشف الحقيقة وتعزيز المحاسبة، باعتبار أن المال العام حق لكل مواطن ويجب حمايته، وأن كل خطوة رقابية تساهم في بناء دولة القانون.