العــــــــــــــدد 9356
الثلاثاء 28 أيــــــار 2019
يقول الفيلسوف سُـقراط: إذا أردتُ أن أحكُـم على إنسان، فإني أسأله كَـمْ كتاباً قرأت؟.
وقيل: إذا أردت أن ترى منزلة أمّـة من الأمم من الحضارة وتقِـيس حظّـها من الثقافة، فانظر إلى منزِلة القراءة فيها وموضوعها من سلّـم اهتماماته، فإلى أين وصلت القراءة وأين هي من سلم اهتماماتنا اليومية وكم من الوقت نخصص لها؟ سؤال للإجابة عليه لا نصرف جهداً كثيراً, فنتأمل حال الشاشات فأي لقاء ثقافي يحقق مشاهدة واسعة إلا ما ندر وإذا ما كان لقاء لفنان حجمه لا يتجاوز الطاولة الجالس عليها ترى مؤشر المشاهدات كاد ينفجر وانشغلت المواقع الالكترونية وحتى الصحف الورقية بالحديث عنه, وحتى المهرجات الغنائية إذا ما قارناها بالأمسيات والظهريات الفكرية والأدبية نرى الفرق شاسعاً، وبدل أن يزداد عدد المكتبات بات عدد المقاهي يفوق قدرتنا على عدّها أليس هذا مؤشر على تراجع القراءة مقارنة بأي نشاط آخر؟ فلماذا وصل بنا الحال إلى هنا ولماذا العزوف عن القراءة بات مستشرياً بهذه الطريقة وما هي القراءات التي يكتفي القراء بها؟ وهل المشكلة في انتشار الفضائيات والمواقع الالكترونية واقتصارهم على متابعة الأخبار السريعة؟ وكيف تكون القراءة بوابة من البوابات لإعادة الإعمار في بلدنا الحبيب الذي أرهقته الحرب لسنوات طوال؟ هذه التساؤلات لتأكيدها أو نفيها سألنا عنها فئة من الشباب وغيرهم الذين يشكلون بشكل من الأشكال علامة فارقة في المجتمع للقياس عليها. عن الاهتمام بالقراءة وأين وصلت وما هو نوع القراءة الذي يفضلونه؟ كانت لنا مجموعة من اللقاءات نعرضها في موضوعنا هذا.
* الطالب الجامعي ناصر قال: أقصد بعض المكتبات لأوفر لنفسي محاضراتي الدراسية ولا وقت لدراسة كتب أخرى وفي وقت فراغي أشاهد مباريات رياضية أو غيرها، حتى الأخبار الرياضية باتت تصلنا لحظة بلحظة نتيجة تقدم التكنولوجيا ولم نعد نحتاج الصحف لمعرفة نتيجة مباراة أو حال لاعب من اللاعبين أو أي تحليل آخر، و بالنسبة للأخبار السريعة نسمعها من التلفاز أو غيرة لحظة بلحظة.
* السيد لؤي يقول: إن المنافس الحقيقي للكتب هو الانترنت، فتراجع الكتاب الورقي وحتى الالكتروني سببه تلهف الناس للاطلاع أكثر من التعمق في القراءة حيث يختار العديد من القراء الانترنت كوسيلة للمطالعة فإن العزوف عن القراءة من وجهة نظري، يعود إلى أن الإنسان أصبح يعرف أن الكتاب أو الصحيفة أو المجلة ليست مصدر المعرفة الوحيد، فهناك الفضائيات والإنترنت الأسرع والأسهل وربما الأمتع في إيصال المعلومة، وحتى بعض الناس يفضلون أن يشاهدوا فيلماً مقتبساً عن رواية بدل أن يقضوا وقتاً طويلاً في قراءتها.
* المدرّسة سهيلا تقول: الابتعاد عن القراءة سببه إهمال الأسرة وعدم مراعاة تنشئة أبنائها على القراءة منذ الطفولة، وتعويدهم عليها، فلا يكفي الكتاب المدرسي لإنشاء جيل يحب المطالعة والقراءة بل الإصرار من قبل الأهل على هذه العادة من المنزل يخلق لدى الأبناء هواية ربما كانت كامنة لديهم أو إكسابهم عادة تلازمهم على مدى سنوات عمرهم إضافة لأية هواية أخرى لديهم فالأم أو الأب عندما يعوّدان أبناءهم على وجود الكتاب في المنزل ورؤية الأولاد لهم وهم يمسكون بكتاب يشكلون لديهم فضولاً لمعرفة ما بين أيديهم واكتساب هذه العادة التي تنمي عقولهم وتقوي شخصيتهم وتزيدهم خبرة في الحياة فالقراءة دواء معرفي ليس من دواء أقوى منه، وهي اللبنة الأساسية في إعمار الثقافة لدى الأفراد وبالتالي بناء المجتمع بناء سليماً للحفاظ على حضارتنا العريقة وبالتالي التكريس لحضارة أعرق.
* السيد مهران مدرّس قال: إن للقراءة طقساً لا نستغني عنه وعشق القراءة لا يمكن أن يحل مكانه أي عادة أخرى فالإحساس بالكتاب الورقي تحديداً لا يمكن وصفه والكتاب هو رفيق الدرب في أي مكان، ولا حاجة لتوفر جهاز حاسوب أو انتظار شبكة الانترنت لتحميل كتاب ما، وليست كل الكتب متاحة في صورة الكترونية وخاصة الجديد منها بالإضافة إلى أن الكتاب الورقي أزين به مكتبتي منذ سنوات ولسنوات قادمة أخرى وأعتبره خير ثروة تورث للأولاد، إن الاهتمام بالمكتبات وتشجيع التأليف في كل عصر يحفز على ازدياد عدد القراء ويقضي على الانخفاض الحاصل لدى الناس في القراءة، والقراءة ليست فقط بوابة كما تقولين لإعادة الإعمار الثقافي بل هي أس الإعمار الثقافي وهي واجب كأي واجب لخلق وعي لدى الناس وتصحيح مسار توجهاتهم الفكرية الرجعية، والنهوض ثقافياً بالمجتمع كي نواكب التطور الحاصل في العالم وكي نحافظ على إرثنا الثقافي العظيم.
* السيد شادي صاحب مكتبة تحدث قائلاً: إن توجه غالبية الناس للشراء بات محصوراً بالحاجيات الأساسية من المكتبات المختصة بالقرطاسية والمستلزمات الطلابية والهدايا، ربّـما كان للأمر بُـعد اقتصادي، فالأولويات للحاجيات الأساسية والتراجع بات للكتاب والقراءة بشكل واضح وجلي، فالبعض يعتبِـر القراءة نوْعاً من الكماليات أو الرفاهية، وليست ضرورة، فهناك أشياء يعتبرونها أكثر ضرورة، ولهذه الأسباب وغيرها تراجع شراء الكتاب، وإن توفر عدد أكبر من المكتبات وتوفير الكتب فيها ما هو إلا شكل من أشكال تدعيم المسار الثقافي وإعادة إعمار فكرنا الثقافي الذي يبدأ بالفكر ليبني الحياة كلها بكل أعمدتها.
* الطالبة ندى تقول: إن مطالعاتي إضافة للكتب الجامعية هي قراءة الكتب والأخبار عن الانترنت فهي متوفرة بشكل سهل وسريع ولا أتحمل عبئاً مادياً في هذه الحالة بالإضافة لإمكانية ترجمة أي مقالة أو كتاب إذا قرأته بلغة أجنبية، وبالتحكم بحجم الخط واللون الذي يريح نظري، ويرضي فضولي المعرفي.
* السيد جابر يقول: رغم أهمية القراءة و تقاعسنا النسبي عنها إلا أنها ما زالت تحتل في قلبنا وعاداتنا وروتيننا اليومي بعض المكانة فلا غنى عن القراءة، وأي نوع من القراءة يغذي العقل ويصقل الشخصية إلا أنني أفضل الكتاب الورقي المطبوع على الكتاب الالكتروني فهو أكثر ألفة ولا شك يمكننا القول: إن الكتاب الالكتروني مهم جداً للاطلاع على الكتب التي صدرت في كل العالم، والاطلاع على ثقافة الغير لمميزاته وسهولة توزيعه، إلا أن الكتاب التقليدي يظل له جاذبيته الخاصة التي تكمن في تصفحه واصطحابه إلى أي مكان كرفيق يؤنسنا ولا نمل رفقته، ولا حاجة لنذكر أهمية الثقافة في إعادة الإعمار فعندما نبني الإنسان نكون قد بنينا المجتمع والقراءة هي المفتاح لبناء ثقافي يحمي المجتمع من التخلف ويمضي به إلى البناء و الإعمار.
وأخيراً: رغم قلة عدد القراء أو ازديادهم أو تفضيلهم الكتاب الورقي على الكتروني ستبقى الكتابة هي الوسيلة والقراءة هي حاجة إنسانية لنطلع من خلالها على المعارف وننقل الخبرات بين ما كان وما نحن فيه وما سيكون، لنكتسب لغة جديدة وثقافة جديدة، طريقة تفكير تمكننا من مجاراة الحياة لنسبقها لا لكي تسبقنا، كل حرف أو كلمة نثقف بها أنفسنا هي لبنة أساسية في إعادة الإعمار بدءاً من الطفل الصغير إلى ما نهاية لأن الثقافة لا نهاية لها والحرص عليها من خلال القراءة كفيل أن يبني مجتماً سليماً معافى وقوياً يواجه أية تحديات.
رواد حسن