العدد: 9278
الأحد 27-1-2019
الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى ومن اللغات الأخرى إلى العربية عمل إبداعي ورحلة معرفية ثقافية وفكرية في الثقافات المختلفة تتجاوز حدود الجغرافيا وتسقط المسافات وتقرب الحضارات والثقافات المتعددة وجسر تواصل متعدد اللغات للاطلاع على الجديد من إبداعات الشعوب في الآداب والعلوم وتبادل الأفكار والمفاهيم والتأثير المتبادل بين الأمم والشعوب.
الإنسان كائن تابع لثقافة ما ويستقي كل ما يفعله منها والترجمة عملية عقلية يستطيع فيها الفرد والجماعة اكتساب الصفات الحضارية لجماعة أخرى والتزود بمداخل فلسفات وأفكار الأمم الأخرى والإجابة عن مسائل التعددية والاختلافات البشرية والتشابهات الثقافية والتمازجات والتفاهمات بين البشر وقد تضاعفت أهميتها في هذا العصر المعولم الذي تقاربت فيه الأبعاد وتشابكت العلاقات وازدادت المؤتمرات والندوات والفعاليات الرسمية والأهلية الداخلية والخارجية بغية الاستفادة من التراث العالمي في الفنون والآداب والعلوم ومن إبداع الآخرين وفلسفة حياتهم والتأسيس لثقافة جديدة تدفع المجتمع إلى الأمام في طريق النهضة والتطور وتحسين الحياة الإنسانية.
الترجمة عملية صعبة كمعول يحفر في المجهول وروعة الترجمة تكمل بهاء الإبداع أما جفاف الترجمة فيفضي إلى جفاف التعبير وعصيان المعنى.. ما الفائدة من ترجمة خاملة مشلولة كسيحة تلفها مناديل القحط واليباب..؟ والمترجم هو الوسيط الثقافي الذي يخلق الحوار وينسج الصلات بين أناس يتكلمون لغات مختلفة ومن مشارب وثقافات مختلفة وهو البّحار الذي يغوص في لجج روائع الآثار الفكرية والأدبية والعلمية وفي تفاصيل الأحداث المحمومة بالدلالات والتساؤلات التي تقحم القارئ بساحة النص والمعلومة المعنى والرأي الآخر المختلف وعلى المترجم أن يعرف كل شيء وأن يتسلح بمقدرة خاصة في اللغة العربية وأساليبها البلاغية حتى تستطيع أن يجد المقابل لما يقرؤونه باللغات الأجنبية الأخرى ويضع الكلمة في مكانها الصحيح كي لا تميل ولا تحيد عن المعنى المقصود لتوصل جمال النص الأجنبي إلى القارئ العربي بالعكس، ويناط به إيجاد الحلول للتضارب في الرأي والمصالح لكي يفهم الآخر بشكل مختلف مع الحفاظ على حياديته لكسب المزيد من الشرعية والمصداقية فعند عدم الإلمام باللغات وقواعدها تتشوه النصوص والمعاني وتفقد الجاذبية بالقراءة والمطالعة.
الأيديولوجية الصهيونية تقوم على تسويه وتزوير الحقائق التاريخية وسرقة الموروث الثقافي العربي والعدو الصهيوني يعمل على اختراق المجتمعات العربية وتحديد أماكن الضعف فيها وتوظيف ذلك لخدمة المصالح الاستراتيجية للكيان الصهيوني في إطار الصرع العربي – الصهيوني والتطبيع مع الدول العربية من خلال الترجمة واستقطاب الأدباء والمفكرين العرب وتقديم الإغراءات المادية والمعنوية لهم لحثهم على التطبيع وتعليم القارئ الإسرائيلي عن طريق مطالعة الأدب العربي على الكثير من المفاهيم النفسية للإنسان العربي وحتى في أرياف الدول العربية ومشاكل ومتاعب الإنسان والمجتمعات العربية ونقاط الضعف فيها حيث يمثل الأدب وأحداً من أهم وأوثق السجلات المعرفية لتحديد وبلورة الطابع القومي لشخصية الشعوب واستقاء المعلومات عن التكوينات الباطنية لأي مجتمع من المجتمعات وقد خلصت مراكز الأبحاث والدراسات الصهيونية أن سبب هزيمة العرب في عدوان حزيران 1967 هو ضعف الروابط الاجتماعية وانعدام التماسك وانتشار الروح الفردية بين العرب.
للترجمة دور هام في تنمية الحوار والمبادلات والتعاملات الثقافية والفكرية والتجارية بين الشعوب ولولاها لما كان التفاعل الحضاري المتسارع الذي نشاهده الآن .. علينا الاهتمام بالترجمة وتذليل الصعوبات التي يعاني منها المترجمون والكتّاب فعند عدم الإلمام بلغة الآخر وقواعدها يصل النص الأدبي هشاً ضعيفاً لا يغري بالقراءة.. فهل هناك أجمل من مطالعة لا يشبع العقل منها أبداً.. يعزف ولسان حاله يقول هل من مزيد …؟!.
نعمان إبراهيم حميشة