لكـــــل قاعـــــدة شــــــواذ.. د. مارديني: 70-80% من الأدوية يمكن استخدامها بعد سنتين من انتهاء صلاحيتها
رقــم العــدد 9345
13 أيــــــــار 2019
عندما أخذت اللهفة أم مريم لم تكن المرأة الأربعينية تعلم أن البخاخ الذي سارعت لوضعه على حرق ابنتها (5 سنوات) منتهي الصلاحية.
تسعف الثقافة العامة المرضى ليدركوا وجود هامش أمان لاستخدام الأدوية تعارف على مدّته بالشهرين زيادة على التاريخ المدون على المنتج، لكن ضحى الصبية المقبلة على الحياة كان هم حبّ الشباب يطبق على صدرها مثلما يشوه وجهها، ولم تكن لها طاقة على تحمل خطأ طبي يؤزم وضعها الصحي، فهرعت إلى الصيدلية التي كانت قد ابتاعت منها علبتي دواء فطنت لاحقاً لانتهاء صلاحيتهما، ولولا توعدها صاحبة الصيدلية بالشكوى لما أذعنت الأخيرة لطلبها برد ثمنهما إليها.
تتعامل الرقابة الصحية بحزم مع هذا الموضوع ولم يسبق أن تهاونت في شكوى بيع منتج منتهية صلاحيته، ولم يحصل أن خرج علينا مسؤول يضرب بالتاريخ عرض الحائط.w
وفي هذه الحرب الضروس والضائقة المالية علت صيحات للتبرع بالأدوية للمحتاجين بدل رمي الفائض في سلّات المهملات.
د. محمد عامر مارديني اسم له باع طويل في عالم الصيدلة يقف الرجل الخمسيني في قاعة المكتبة المركزية أكثر الصروح العلمية في جامعة تشرين التي شهدت تجاذبات بحثية طيلة العشرين سنة الماضية ليقول ما لم تسمعه من أحد قبله: (باستثناء الأنسولين والصادات الحيوية النتروغليسيرين والأنسولين فإن جميع الأدوية المخزنة بظروف مقبولة تحتفظ بما لا يقل عن سنة إلى سنتين صلاحية بعد تاريخ الانتهاء المدون على العلبة).
يدعم د. مارديني مقاله هذا بحقيقة (لم تسجل مشافي العالم قاطبة حالة صحية خطيرة ناجمة عن تناول دواء منتهي الصلاحية) ويضيف: (مع التأكيد على شروط التخزين الجيدة في البراد، لا ضير من زملائنا الصيادلة نصح مرضاهم بالاستمرار في تناول أدويتهم حتى بعد انتهاء صلاحيتها) ولكن على مبدأ (لا تقربوا الصلاة) وكي لا يفهم كلامه خطأ يستطرد: (لا يحق للصيدلي الإتجار بالأدوية بعد انتهاء صلاحيتها) ولا يجوز التأويل أو الاجتهاد، وتمديد الصلاحيات بغير سند قانوني تجاوزاً، وليس جوازاً، وعادة ما يشعر المرضى بالقلق إن تناولوا دواء منتهي الصلاحية عن طريق الخطأ، لكن من النادر أن تحصل مراجعة طبية لهذا السبب.
ويذهب د. مارديني إلى أبعد من ذلك كيف أن حبة أسبرين من إنتاج شركة دواء عالمية استطاعت أن تحتفظ بفعاليتها كاملة طيلة 40 عاماً منذ تصنيعها عام 1963! كذلك الأمر عند فحص مجموعة من الأدوية القديمة الأخرى مثل: مضادات الهستامين ومسكنات الألم وجد أن بعضها لم يزل يحتفظ بكامل قوتها، وبكل الأحوال فإنه من المهم إدراك أن هناك العديد من الأضرار المحتملة الحدوث نتيجة تناول دواء منتهي الصلاحية أو متخرّب لأنه لم يتم تخزينه وفقاً للشروط المحددة، فهو لن يوفر للمريض الفائدة المرجوة لأنه يحتوي على تركيز أقل وبالأحرى عندما يتخرب قد ينتج عنه مركبات سامة يمكن أن تسبب للمستهلك آثاراً جانبية غير مرغوبة وتزداد المضاعفات عند المرضى الذين يعانون من أمراض خطيرة ومهددة للحياة، وانتهاء الصلاحية هو التاريخ الذي تضمن الشركة المصنعة صلاحية الدواء الذي تنتجه، والشركات تجري اختباراتها ضمن ظروف مثالية لكنها لا تعرف ماذا يجري للدواء بعد خروجه من مستودعاتها والمسألة قانونية أكثر مما هي مسألة صحية.
تتعرض معظم الأدوية البيولوجية للتلف لذا يجب حفظ الأدوية في درجة حرارة تتراوح بين 12-10 مْ، ويجب حفظ لقاح شلل الأطفال بدرجة حرارة أقل من صفر لأنه يفقد فعاليته بسرعة فائقة عند حفظه بدرجة حرارة الغرفة، كما يجب حفظ المضادات الحيوية السائلة والأنسولين في الثلاجة بين 2-10مْ، ويمكن استخدام الشراب أو معلق المضاد الحيوي لمدة أسبوع بعد فتحه كحد أقصى عن طريق التخزين بدرجة حرارة 4مْ، ويتلف محلول بروكائين مع مرور الزمن حتى وإن احتوى مواد حافظة، كما يسمح باستخدام القطورات العينية لمدة شهر واحد بعد فتح العبوة.
وبالخلاصة الأدوية والمضادات الحيوية والأنسولين ونتروغليسرين تفقد فاعليتها بمضي الوقت حتى بشروط تخزين مناسبة لذلك لا تستخدم بعد انتهاء صلاحيتها، وينصح المرضى بتجميع الأدوية من الأقراص والكبسولات في حافظة واحدة بما يكفي لأسبوعين كحد أقصى نظراً لتغير تاريخ انتهاء صلاحيتها بعد إخراجها من عبوتها الأصلية وفيما عدا ذلك فإن معظم الأدوية المخزنة في ظروف معقولة تحتفظ بما لا يقل عن (70-80-%) من فعاليتها الأصلية لمدة لا تقل عن سنة إلى سنتين بعد تاريخ انتهاء الصلاحية المدونة على العلبة.
يصب هذا في خانة ترشيد استهلاك الدواء الذي رشح إلينا مؤخراً بعد أن شغل العالم به منذ عام 1986 عندما عملت هيئات عالمية على برامج تمديد الصلاحية لتوفير استبدال الأدوية منتهية الصلاحية من مخازينها وقد ساعدت عام 2016 مجموعة من الدراسات على توفير 2.1 مليار دولار كان من المفترض إنفاقها على استبدال الأدوية منتهية الصلاحية وفقاً لتقارير propublicq.
وفي عام 2006 أجريت دراسة باختبار 122 من الأدوية المختلفة المخزنة في ظروف مثالية ونتيجة ذلك حدد تاريخ انتهاء صلاحية غالبية الأدوية من المخزون بمعدل 4 سنوات في المتوسط.
ومع هذا ما تزال هيئة الغذاء والدواء الأمريكية تحذر المستهلكين بشدة من تناول الأدوية منتهية الصلاحية رغم أنها تسبب كميات هائلة من النفايات الصيدلانية، يسوق هذا د. مارديني وهو يعلم حجم الكميات من الباراسيتامول على سبيل المثال التي ترمى سنوياً في الصرف الصحي بسورية.
خديجة معلا