الوحدة : 10-3-2023
صار المدّرس مثل شاعر فقد ديوانه، فدفتر التّحضير لم يعد موجوداٌ، ولم تعد تلك الهويّة التربوية ضرورية، ونحن قد كنّا نطلق على من يحمل دفتراً لقب (أستاذ)، ولو كان يتسلق شجرة أو يقيم جداراً أو يغوص في حفرة.
البعض يرى في ذلك الدفتر منهلاً، والبعض الآخر يراه التزاماَ لبناء التعليم ومعاييره، وللحق فهو الدفة لتلك السّفينة المستقبلية.
هذا الدفتر لم يعد يحمله المدّرس، وقد استعاض عنه بابتسامات و(نكاتٍ) تكثر فيها المبالغة لجذب طلابه إلى الدروس الخصوصية، وكأنه – أي المدّرس – يؤكد على أن الدفتر استصغار لقدراته الخارقة، وهو الذي قادته درجاته في الثانوية إلى فرع من تلك الفروع التي تخصص بأحدها، والبعض غاص في سنوات الاستنفاد حتى الرمق الأخير ليصير من عداد الخريجين. لم لا؟ وهو مدرّس يعلو بأجر هو أغلى من ثمار المعرفة. قبل أيام، عثرت على دفتر تحضير يعود لنصف قرن مضى، وقد تضمّنت صفحاته أهدافاً تعليمية وسلوكية، تدلّ على ثقافة وخبرة صاحبها.
فهمت بعدها أن المشاركة الجماعية هي أهم خصائص التعليم، لأدرك أن المعلم بعطائه يستحق لقب ( الحلم ) الذي يسير بين الناس ويخطف درجات الاحترام.
تلفّت حولي لأصنع مقارنة ما بين مدّرس يحمل دفتره، وآخر جعل من دروسه الخصوصية هدفاَ وغاية. فشلت في مقارنتي، وقادني ذلك الفشل لقناعة تقول : مفاصل حياتنا تلح أن يكون لكل منا دفتر تحضير يستعد به لكل طارئ، ويواجه معه مفاجآت زادت كازدياد الأمواج في يوم عاصف تكاد فيه الشواطئ أن تتخلى عن أماكنها.
كم من مهنيّ فنيّ أو حرفي حاذق استعان بدفتره الخاص به, وتفوق على المثقفين في أشياء كثيرة، بل وتداخلت أفكار المثقف ومشاريعه في خيوط السراب ثم تبخرت.
أما الحالمون الذين أخذوا يستذكرون أحلامهم من دفاترهم الوردية، فقد نجحوا بتشييد بوابات قصورهم.
هكذا هو ذلك الدفتر الذي يستحق أن يكون أكثر من عطاء وأكثر من تحضير.
سمير عوض