وعكة ثقة

الوحدة 26-1-2023

 يعرّف الكاتب السوري حسن م. يوسف السرقة الأدبية في أحد تصريحاته الصحفية بأنها: «أخذ ما للغير خفية، والسرقة الأدبية هي قيام أحد ما بنسخ نص أبدعه شخص آخر وتقديمه على أنه له. والحق أن هذا المصطلح يخضع لتأويلات شتى حتى ضمن إطار الثقافة الواحدة»، ويتابع يوسف: «من المعروف أن مبادئ حقوق المؤلف لا تحمي الأفكار، وإنما تحمي تعبير المؤلف عنها، إلا أننا نقرأ ما يشي بأن هذا المصطلح اكتسب طبيعة مطاطية؛ لأن كل مستخدم يعطيه ما يناسب وجهة نظره، حتى بات يختلف باختلاف المصالح كما مصطلح الإرهاب تمامًا!». وفق التعريف الأدبي السابق كم من حقوق تأليف ضاعت وتاهت واندثرت، وبقي اسم أصحابها طي الكتمان والنسيان؟ وهذا ما تشهده (منابر) الثقافة الفيسبوكية وما يسمى بالملتقيات الأدبية التي تضمّ عشرات الأسماء ممن يدّعون لأنفسهم الشعر والنثر والتشكيل في سرقات موصوفة وغير موصوفة، كثير منها لم يُكشف عنه القناع بعد، لكن أصحاب الخبرة الأدبية لابدّ أنّهم كاشفو تلك الأسماء لكنّ اعتبارات عدة تدفعهم إلى التكتّم والتستّر عليهم وتحول دون فضحهم ورفع الغطاء عن سرقاتهم، وإنْ حرص قسمٌ منهم على ملاحقة كل حرف وكلمة يكتبها بعض المدّعين الجدد، كاشفين زيف كتاباتهم ونتاجاتهم الفكرية والأدبية، يتصيّدون أخطاءهم وهفواتهم، ويقفون لهم بالمرصاد، جلّ همّهم ينصبّ في تعقّب أثرهم الأدبي والتشهير بمن يرتكب الآثام الأدبية من نسخ ولصق وادعاء… ونشر أسمائهم على العلن وفضحهم وتقديمهم إلى الرأي العام لينالوا ما يستحقون من العقاب والجزاء، وكسر أقلامهم المزيّفة وإعادتهم إلى مكانهم الطبيعي بعيداً عن المنابر الثقافية وأهلها. لكن من يعيد لأصحاب الحقوق اعتباراتها وحقوقها في نصوصها الأصلية، وهل يكفي التشهير بالسارق؟ ألا يستوجب هذا الفعل عقوبات مشددة وصارمة تقطع يد كل من تسوّل له نفسه الاعتداء على ممتلكات الغير: الفكرية والأدبية من شعر ونثر ورسم وتشكيل…؟ حتى الموسيقى لم تسلم من السرقة فكم من أغانٍ وألحانٍ ادّعى مؤلفوها ملكيتها لتعود وتُكشف أصولها اليونانية أو الهندية وسواهما، فتضيع النغمة الأصلية وتشوّهها الإضافات والتعديلات، دون أن يسمع أصحابها الأصليون بما نالته أغنيتهم من قسط وافر من الشهرة والانتشار، وما تدرّه على أصحابها الجدد من عروضٍ وأموال وثناءات… كذلك حال الدراما والمسرحيات المترجمة عن نصوص وروايات عالمية، أو المنسوخة عن الأصل دون تعديل يذكر، فهذه تُعرض وتنال ما تناله من الانتشار والعرض والتكريم والشهرة مع بخس الأصل وأهله وأصحابه. أما التكريم الذي يناله السارق أحياناً عن نتاج غيره واحتلاله مراتب متقدمة قد تكون الأولى، والجوائز وشهادات التقدير والدكتوراه الفخرية التي تُمنح له، أليس الأجدر به التستر على فضيحته والتلميح ولو بإشارة صغيرة إلى مصدر نتاجهم وإبداعهم الثريّ، ومنح أصولها جزءاً ولو يسيراً من التكريم بذكرهم وشكرهم لمّا كانوا مصدر إلهامهم ومرجعهم الأوّل والأخير؟! ومَن يُنصف أصحاب الحقوق الأصلية ويعيد إليهم ملكيّتهم وإرثهم الحقيقي الأصلي ويكرّمهم بإعادة اعتبارهم ونسب أبنائهم الشرعيين إليهم، دون تبنٍّ أو ادّعاء؟ وفي العربية اقتباسٌ واستنباطٌ يشفع لمن يستعين بنتاج غيره مع ضرورة ذكر الشواهد والمصادر، ما يبرر للبعض (سرقته) الموصوفة والمشروعة، أما الاختلاس والتضليل والمسخ (من المسوخية) والتزييف لا يبرر للمختلس والمضلل والماسخ والمزيِّف ما يرتكبه من جرائم أدبية وفكرية. أما شرّ البلية المضحك ممن يدافعون عن سرقاتهم ويهاجمون من يتهمونهم بالسرقة، لا وربما يصل بعضهم حدّ الادعاء على هؤلاء بجرم التشهير والذمّ والقدح، ويطالبون بإعادة الاعتبار لهم والاعتذار منهم علَناً، فتنقلب المعادلة ليصبح اللص المتهم الجاني بريئاً، والمدّعي لصاً محترفاً يرمي الاتهامات جزافاً دون أدلة وبراهين!! أما من قانون ينصف هؤلاء ويقاضي ويحاكم مجرمي الفكر والثقافة ولصوصهما؟ تقول الآية الكريمة: “وأما السّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما”، إذ حدد القصاص الإلهي لمن يسرق ـ بالمعنى المجازي للكلمةـ ما يستوجبه من عقاب وجزاء، لكن السرقة تأخذ أشكالاً وأنواعاً عدة… وفي معرض حديثنا السابق نجد أنّ السرقات الأدبية منتشرة بكثرة، وتتشعّب فصولها بين النسخ واللصق والاقتباس والتحريف والتزوير… مع الخيارات الافتراضية المفتوحة أمام الجميع، دون حواجز أو عوائق، وبلا خوف من محاسبة أو مساءلة. والسارق الأدبي محترفٌ في انتقاء نصوصه ونسبها إليه دون رادع أو وازع، يجيد اختيارها بحرفية عالية، وتغيير ما جاء فيها وقلب نصوصها وتحريفها وفق أهوائه وآرائه الشخصية، لتضيع النسخة الأصلية وتشوّه وتُستأصل أعضاؤها الأساسية فتموت وتندثر، لاسيما في عالم الصحافة الإلكترونية الراهنة، وأبوابها المفتوحة على مصراعيها لكل من هبّ ودبّ، ومنهم نجوم الفيس بوك ومشاهير مواقع التواصل الاجتماعي وما يدّعونه لأنفسهم من إبداعات وكتابات فاقت بجمالها النصوص الأصلية المنسوخة عنها أو المسروقة منها إن صحّ التعبير. فيتعرّض النص الأصلي إلى وعكة ثقة، وتضيع حقوق نشره المحفوظة، مع التحوير الممنهج الذي يصيبه ويغيّر أصوله ويحوّر حروفه ومعانيه.
ريم جبيلي
تصفح المزيد..
آخر الأخبار