أبناؤنا ليسوا حقل تجارب

الوحدة: 12-1-2023

وجوهٌ باكيةٌ عابسةٌ مكفهرّة.. تاهت براءتها وطفولتها في تفاصيل زمنٍ خُلقوا لغيره، فكبروا قبل أوانهم… يُفترض بهم أن يكونوا أبناء السّلام والأمان لكنّ ظروفاً استثنائيةً حالت دون سعادتهم واطمئنانهم، إنّهم أبناؤنا الطّلبة ممّن خاضوا تجربة الأسئلة الامتحانية الوزارية الموحّدة، ليكتمل مشهد القلق بمشهد امتحانيّ بائس يصرّ القائمون على العملية التّعليمية والتّربوية ترسيخه وتوطينه في نفوس أبنائنا.. ولطالما ارتبط الضغط النفسيّ والعصبيّ والفكريّ بطلاب الشهادتين الأساسية والثانوية وأهاليهم، نراه اليوم يطرق عقول أطفالنا الصّغار، ممّن لم يتقنوا مسك القلم بعد، وبعضهم حضّر الامتحان على نور الشّمعة… ليثبتوا أنّهم جيلٌ قويٌّ بل أبطالٌ حقيقيون يتحدّون كلّ الظروف.. حتى في فشلهم إنهم ناجحون..

فقد قرر منظّمو الامتحانات لهذا العام الاستغناء عن مهارات معلّمي المدارس ليضعوا بأنفسهم أسئلةً أجمع الطلاب وذووهم على أنّ بعضها مرّيخية ومن كوكب آخر، فبعضها من خارج المنهاج، لا تمتّ لتعب التلاميذ وأساتذتهم وأهاليهم بصِلة، ضاربةً عرض الحائط بكل توجيهاتهم التعليمية السابقة بضرورة مراعاة الفوارق في المستويات العقلية والفكرية لأبنائهم الطّلبة، وتفاوت قدراتهم ومهاراتهم التعليمية، وتحديداً أسئلة الرياضيات للصفّ الثاني الابتدائي، التي أجمع الأساتذة على أنّ بعضها لم تُعطَ بالمنهاج بعد، كذلك طريقة كتابة الأسئلة على السبورة وإلزامهم بنقلها إلى ورقة الإجابة وبقلم الحبر الأزرق الذي طُلب منهم استخدامه لأوّل مرّة، وما تبع ذلك من إضاعة الوقت وتشتيت انتباههم، فهل يعقل لطفل لم يتجاوز السّابعة من عمره نقل الأسئلة وكتابتها وإجاباتها على ورقة الامتحان وهو بكامل تركيزه ووعيه…؟

هذا وعلّقت إحدى المدرّسات على مضمون هذه الأسئلة الموحّدة للصفّ الثاني بأنها اعتقدتها للوهلة الأولى بأنها للصفّ الثالث، رغم إنّ بعض الأسئلة كانت طبيعية ومنطقية وواردة في دروس الصف الثاني (مع التحفّظ للحمل مرتين في الجمع)، ولكن كما ورد في السؤال الثاني فلم يمرّ درس أو سؤال عن عدد سابق أو لاحق مكون من ثلاث منازل وهذا سؤال ليس بسهل على تلميذ في الصف الثاني فهو يحتاج إلى ممارسة وتدريب، كذلك حال السؤال الرابع يُطلب فيه الموازنة بين عددين ولكن واضع الأسئلة أحب أن يمزج الطرح مع الجمع مع الموازنة، وبالتالي أصبح الأمر صعباً على تلميذ صف ثاني، ولا سيما أن الطرح يحتاج الى الاستلاف مرتين، أما السؤال الخامس الذي حدث إشكال كبير عليه فهو تمثيل بياني استخدم فيه مفتاح جديد لم يمر أيضاً مع الصف الثاني بعد، وحتى السؤال الأول لم يمر قطعاً في الكتاب وبالتالي فإن حلّه يتطلب مهارات خاصة للأذكياء جداً.

وفيما يخصّ السؤال السادس فعلى التلميذ معرفة الوقت الجديد ثم رسمه على الساعة.. أي أن الإجابات متعلقة ببعضها فإذا أخطأ بالقسم الأول ستذهب علامة القسم الثاني قطعاً علماً أنه لم يُدرّب أطفالنا على رسم الساعة كاملةً.

أما في اختبار الرياضيات للصفّ السادس فحدّث ولا حرج عن طولها وصعوبة بعضها وعدم كفاية الوقت المحدد لحلّها رغم شموليّتها وسهولة بعضها الآخر -وهذا رأي الأساتذة وليس الطلاب وحسب- عدا عن التأخير في تسليمها وما رافقها من بلبلة وتسريب قبل بليلة واحدة، ما أربك المدراء الذين توجّهوا -قبل طلوع الضوء- إلى مديريات التربية وسلّموها النموذج الامتحاني الأول ليأخذوا النموذج الثاني الاحتياطي، أما في أقاصي الريف فقد اضطر المدراء إلى استلام الأسئلة عبر خاصية (الواتس أب) إن توفرت في ظلّ انقطاع شبكتي الكهرباء والإنترنت، وكتابة الأسئلة على السبورة أيضاً، وهنا نستغرب عدم طباعتها وتوزيعها كما جرت العادة في السنوات السابقة!….

أما أسئلة العربي الوزارية للصفّ الثالث، رغم قبولها وعدم صعوبتها لكنّ خطوة امتحان طفل صغير بكتاب كامل أليس من المبكّر الإقدام عليها؟؟ وماذا عن الرّهاب النفسي الذي عاشه أبناؤنا نتيجة الضغط والقلق والتوتر المتزامنين مع موسم الامتحانات فكيف حالهم باختبارٍ لغويٍّ شاملٍ؟

 

سؤالٌ آخر برسم المعنيين: لماذا استُثنيت المدارس الخاصة من الأسئلة الوزارية المركزية الموحّدة وتُركت لهم حرية الاختيار بينها وبين نماذج يضعها أساتذتها الأدرى بمستوى طلبتهم وقدراتهم العقلية والذهنية؟ ولماذا هذا الإصرار على التمييز بين التعليم العامّ والتعليم الخاصّ؟!

أيّ مهاراتٍ تريدون اختبارها في ظلّ ما يقاسيه أبناؤنا من ظروف استثنائية تثقل بكاهلها عليهم وتهدّ وتكسر أهاليهم؟

أبناؤنا ليسوا حقل تجارب لعقولكم الأوروبية واليابانية!! وفّروا لهم أبسط مقوّمات العملية التعليمية وكثّر الله خيركم.. ولا تجتهدوا بقراراتكم..

تجربتكم للأسف فشلت فشلاً ذريعاً نأمل ألّا تكرّروها قبل أن تنزلوا إلى أرض الواقع وتعاينوا صفوف المدارس وتشعلوا أنوارها لتضيء عتمة نهاراتها وظلمة عيون أبنائها، الذين يُفترض اعتبارهم أبناءكم وأُولى أولوياتكم، لتنشئوا جيلاً محبّاً للعلم لا كارهاً له، وليكن الأساس تعليماً وترغيباً لا تنفيراً وترهيباً، مع حرصنا الدائم على الشدّ على أياديكم في ضرورة ترميم المناهج وإصلاحها وتطويرها بشتّى الوسائل، لكن شرط ملاءمتها لقدراتهم ومهاراتهم وفروقاتهم الفردية والجماعية ومراعاة أوضاعهم العامّة والخاصّة لتتناسب وخططكم الحالية والمستقبلية.

نرفق لكم بعض أوراق الإجابات لطلاب الصفّ الثاني كما تناقلها روّاد مواقع التواصل الاجتماعي.

ريم جبيلي

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار