الوحدة : 20-11-2022
الشعر هو تاريخ العرب وسجلهم، به عرفوا، وبه ما يزالون يعرفون، ومقام الياسمين مجموعة شعرية للشاعرة زوات حمدو وهي تقع في مائة صفحة من القطع المتوسط. تحوي سبعاً وثلاثين قصيدة، منها ست قصائد نثرية وما تبقى أخذت نهج الخليلي.
تهدي مجموعتها إلى وطنها سورية والتي هي سيدة الانتماء وحقيقة الوجود.
واسمحوا لي وبعد قراءتي أن أقدم ما حاز على الرضا في مجموعتها وأنقله إلى القراء الكرام .
تقول من قصيدة نجوى:
تسافر في أمداء وعدك أحرفي
سيولاً من الأصداء عانقها الطهر
تعانق روح الشعر عفواً وروعةً
صباحاً بها يندى ونحن له العطر
إنه السفر .. وأي سفر ؟ سفر حروف شعرها والذي غدا يسيل مضمخاً بالعطر والطهر، وتتابع الشاعرة نسج قصائدها بلغة فنية تبين أنها القادرة أن تصوغها جملها الشعرية وتبدعها قصائدها.
تقول من قصيدة بحار الشوق:
لا الحبر يكفي لأشواقي ولا القلم
أنّى .. وفيك بحار الشوق ترتطم؟
إنه الشعر عندما يتدفق لا شيء يوقفه فالحبر يتحول إلى كلمات، والكلمات تصير قصائد والقصائد تأتي إبداعية. لتطوف في الأذهان وتشد القارئ إلى ما بعدها.
انظروا إليها في قولها :
يا سيد الحرف لا تكفيك أغنية
تراقصت بحروف مسها النغم
ودمشق هي حاضرة الدنيا وأقدم مدينة معمورة، دمشق هذه هي بلد الياسمين والياسمين رمز النقاء والطهارة والوداعة وطيب الرائحة تقول:
للياسمين الذي نهوى نفذ خطا
من حيث ليموننا الزاكي بنا اغتبقا
فها هي دمشق تعانق اللاذقية، وها هو الياسمين تضوع بزهر الليمون وكذلك فعلت اللاذقية فهي ترنو إلى دمشق بعين التقديس والتبريك.
وحين يغدو الشعر نسمة صبح وضوء عتمة يبدع قصائده تقول من قصيدة لها:
لأجلك العيد قد جفت مآقيها
والروح مُذ خلقت وقفٌ لساقيها
وبسمة الصبح تحكي شوق أغنيتي
لتسكب الطيب عطراً في مآقيها
أي عشق لوطن هو هذا العشق؟ والشعر، أي شعر لا يخلو من هوىً يطوفه. وكذلك شاعرتنا، كان هناك في قصائدها من تبثه أشعار هواها.
والشاعرة أو الشاعر قد يخلق حبيبة افتراضية، يستحضرها ويصوغها أجمل قصائده .وقد تكون هناك عشيقة حقيقية تسلبه شعره، وتضنيه لياليه فيبدعها قصائده، تقول من قصيدة لها :
مازال حبك في الأحشاء مؤتلقاً
يهمي على عطش الصحراء أمطاره.
أي عشيق ذلك ؟ لقد أهدته ما لم يسبقها إليه شاعر. مطر يندي صحراء يابسة والشاعرة زوات لا تنفك تعود إلى وطنها، وإلى تضحيات أبناء وطنها لكي يبقى مهاباً وعزيزاً.
تقول من قصيدة “شمس البطولات”:
فيك الشجاعة عنوان وسارية
فيك المروءات وثبات من القيم
أمضى من السيف من موقع الحراب
على وقاب سادتهم والغدر لم يدم
شمس البطولات بعد النصر ساطعة
وأنت سيدها والسر في الهمم
ولم تنسَ قائد الوطن وصموده والسير بالوطن إلى شاطئ الأمان.
تقول :
يا بن الصناديد صنديداً بطولته
تمرّ كفّاك مثل الريح في الضرمِ
ثم تعلق للكون أنه مفخرتنا وهو الأمل في غدٍ سيأتي مشرقاً.
تتابع فتقول:
يا زهو حاضرنا أورثتَ ملحمةً
جيش من العزم سباق إلى القمم
لم تترك الشاعرة موضوعاً من مواضيع الشعر إن كان وصفاً أو مدحاً أو عشقاً أو وجعاً إلا وصاغت فيه قصائدها.
وهي لم تنس “العلم” ولا الخوض فيه،
فلا حياة لوطن دون علم، فالجهل مفسدة.
تقول: خزائن العلم تُوتى من نفائسكم
درّاً يمنطق منها جوهر الكلم
ثم لا تلبث وأن تعود إلى دمشق، إنها الشام
فتقول:
صباح الخير يا وطني جبينُ رجالك الغارُ
لنصر الحق رايتنا فتحرير وإعمارُ
عرين الشام يحفظه على الأيام بشار
هي شاعرة،تحب وطنها وتعشق سيده، وربان سفينته.
ومن قصيدة “عتاب” أقتطف:
يعاتبني ويسرف في عتابي
ونبض القلب تشعله الشجون
وغاية ما أريد من الأماني
أكون بقربه أو لا أكون
هي لا تحتاج إلا حبه. ولأنها تحبه تلجأ إلى العتاب كي لا تفقده، ولا بأس ببعض العتاب إن كان سيعيد حبيباً غاضباً.
*
وسأخصص ما تبقى من قراءتي للغوص في بعض قصائدها النثرية. لكي لا يظن القارئ أن الشعر بالعمودي يحيا بل هناك من الحداثة في الشعر ما يسمو على كثير من الشعر الخليلي فها هي تبث اللاذقية “مدينتها ” كل مشاعرها وهواها تقول :
هي فيض أسفاري
وصبا هواي
وبعض أحلامي.. بل كل أحلامي
ثم تبدع في وصف مدينتها الساحرة حيث النوارس تلاعب الشطوط وحيث الميناء والكورنيش والمقاهي والحدائق، حيث كل ما هو جميل في نظرها.
وهي تستحضر حبها فتقول:
في حضرة حبك
كل قوانين شياطين الشعر تُخرق
وهدهدات القلب تتنفس أشواقاً
أتمنى للشاعرة كل إبداع جديد.
سيف الدين راعي