الوحدة : 30-9-2022
تعد مرحلة الدخول إلى المدرسة من أهم المراحل تأثيراً على الحياة الاجتماعية عند الأهل بشكل عام والطفل بشكل خاص، انطلاقاً من أهميتها ودورها الكبير في تكوين شخصيته وسلوكه وصفاته النفسية وحتى الجسدية، إذ تعد هذه المرحلة بمثابة الفطام النفسي القسري عن البيئة الآمنة التي تحيط به ( الأسرة) للاندماج مع المجتمع الأوسع وكل ما يحتويه من أقران وكادر تدريسي وتربوي يفرض عليه التعامل معه بشكل يومي.
حول هذه المرحلة وأهميتها وتأثيراتها على حياة الأطفال، نتوقف عند دراسة قدمتها الباحثة يولا عثمان، جاء فيها :
تعتبر سنوات المدرسة الابتدائية فترة ذهبية في حياة الفرد فالطفل في هذه المرحلة لم يعد بحاجة إلى مرافقة والديه كثيراً فينطلق ليلعب ويكتشف عالمه وإن كان للمدرسة أثر جميل لدى الأطفال، إلا أنها تترك أحياناً ولعدة أسباب، أثراً سلبياً لدى البعض الآخر. فدخول الأطفال المدرسة يؤدي إلى مجابهة زخم جديد من التحديات والفرص على حد سواء. فبداية على الطفل التخلي عن الكثير من اتكاليته السابقة على الأهل وعلى محيط الأسرة. إذ تفرض الحياة الجديدة في المدرسة عليه أن يقضي ساعات طويلة وعديدة من كل أسبوع في محيط جديد يديره أشخاص غرباء ويشغله أطفال غير مألوفين. ويكون الحكم هنا على الأطفال على أساس تصرفاتهم وسلوكهم واستجابتهم للتعليمات، وطريقة الحكم على الصغار تؤثر تأثيراً حاسماً في اتجاهاتهم من المدرسة وفي تكوين ميلهم للعمل والدأب وإحساسهم بالرفعة.
وحول الاتجاهات والميول التي يبديها الأطفال نحو المدرسة، رأت الباحثة أن الأطفال ينقسمون إلى فئتين :
الفئة الأولى تتطلع بشغف لبداية افتتاح المدرسة لأنها تمنحهم شعوراً بالأهمية والنضج وتكون فرصة لتعلم أشياء كثيرة. والفئة الثانية فئة الأطفال الذين يخافون من مجرد التفكير بالذهاب إلى المدرسة لأنهم يجزعون من الانفصال عن والديهم وهذه المخاوف المفرطة تشكل نمواً شاذاً في الطفولة المتوسطة.
وللوالدين والمدرسة أثر كبير في تلهّف الأولاد للمدرسة أو إعراضهم عنها.
وأشارت في دراستها إلى أن للمدرسة أثر كبير في تحديد اتجاهات الأولاد ، فحجم المدرسة وسياستها التربوية وطرق وأساليب التعليم الموجودة فيها كلها عوامل تؤثر في تقبل الطفل أو رفضه للمدرسة. فمثلاً حجم المدرسة يحدد عدد الفرص التي تمنح للطفل وقد أكد الباحثون أن أطفال المدارس الصغيرة يميلون أكثر من أقرانهم في المدارس الكبيرة للمشاركة في الفعاليات، وبشكل عام يستطيع الأطفال الموهوبون أن يجدوا لأنفسهم مكاناً في المدرسة بصرف النظر عن حجمها.
وتعتبر السياسة التربوية المتبعة في المدرسة هي العامل الأكثر حسماً وتأثيراً بمشاعر الأطفال نحو المدرسة. فتخطيط البرامج وطرق التعليم تجعل التعلّم مغامرة حيّة مثيرة تحفّز الفضول والاهتمام بينما التعليم الذي يتصف بالرقابة المتشددة والبعد عما يجري في العالم فإنه يطمس لهفة الأولاد للمدرسة.
وعن أثر الأهل في تقبل الأطفال للمدرسة، قالت : يتقمص الأطفال مشاعر أهلهم نحو المدرسة، فالأهل الذين يقدّرون ويحترمون جهود معلمي أولادهم يشجعون أولادهم على تشكيل نظرة إيجابية نحو المدرسة. أما الأهل الذين يقللون من أهمية المعلم فتصبح نظرة أطفالهم سلبية نحو المدرسة. وتؤثر الطبقة الاجتماعية والثقافية التي ينتمي إليها الأهل في نظرتهم للمدرسة وهذا ينعكس بدوره على الأطفال. وبشكل عام إن اتجاهات الوالدين الإيجابية من المدرسة تترابط بصورة كبيرة مع تحصيل الأولاد في المدرسة بغض النظر عن الانتماء الطبقي.
وأكدت الباحثة على الدور الهام الذي تلعبه قابلية الطفل وشخصيته في هذه المرحلة، قائلة : يرتب الأولاد في المدرسة طبقاً لمواهبهم في مختلف المجالات وبشكل عام إن تقييم أبناء المدرسة لقابليتهم المدرسية يعتمد على المستوى العقلي العام لرفاقهم في الصف. وبشكل عام نجد الأطفال الموهوبين أكثر إيجابية تجاه المدرسة من أقرانهم العاديين أو غير الموهوبين.
ورأت الدراسة أن التأثير الأكبر على حياة الأطفال في هذه المرحلة هو للمعلم، إذ يتمتع بموقع فريد لدى طلابه مما يمكنه من تقوية دافع التحصيل والتنافس السليم لديهم، ويستطيع المعلم مساعدة التلاميذ على اكتشاف مواهبهم وميولهم والتخفيف من الإحساس بالعجز الذي يعانيه الأطفال الذين لا يملكون القدرة والموهبة. وتؤكد الدراسات أن سلوك المعلم يؤثر في الاتجاهات المدرسية للأطفال وبتحصيلهم المدرسي بشكل كبير حتى أنه يؤثر في شخصياتهم وتعاملهم مع أقرانهم.
وختمت الباحثة دراستها بالحديث عن الأهمية المتزايدة للأقران في هذه المرحلة، إذ يغدو تفاعل الأطفال خلال سنوات المدرسة الابتدائية جزءاً هاماً من حياتهم حيث يكوّن الأطفال أسلوباً لتعاملهم مع الناس بصورة مرنة أو جامدة، خضوعية أو تسلطية، ويعانون إحساساً بالانتماء الاجتماعي أو بالاغتراب، وهذه العلاقات وطبيعتها تلقى أثراً في شخصية الأطفال ويستمر هذا الأثر ليرافقهم في مسيرة حياتهم كلها.
فدوى مقوص