الوحدة : 26-9-2022
لم تكن حادثة غرق (مركب الموت) هي الأولى، ولن تكون الأخيرة، حوادث غرق لأناس وجدوا بالهجرة غير الشرعية هروباً من واقع مرير فرضته عليهم ظروف الحرب الطويلة على بلدهم التي حرمتهم العيش الكريم وفرص الحياة بالعمل والزواج والحصول على متطلباتهم اليومية التي يزداد عدّاد سعرها يوماً بعد يوم، أناس وعوائل بالكامل لم يحزموا أمتعتهم بل اختاروا الهرب بلباسهم وبعض صور، جميعهم باعوا ما يملكون بأحسن أحوالهم أو استدانوا أجور سفرهم لتجار عديمي الضمير على أمل الإيفاء بالدين حين الوصول. شباب بعمر الورود حملوا شهاداتهم الجامعية ورغيف خبز (ب طاقية رأس) لم ينقذ أحدهم من جوع الرحلة، وآباء وأمهات حضنوا أطفالهم على المركب آملين بالبر الآمن ليفرقهم الموج للأبد.
لم تكن الهجرة إلا الحل لهم أو هكذا ظنوا، قديماً كانوا يقولون “زيوان بلد ولا حنطة جلب” ولكن أنّا لبلد أتعبته الحرب والظُّلّام أن يرمم ما دمروا بليلة وضحاها؟ بلد أثقلته الجروح النازفة، والحبل الذي ضيّق الخناق للتنفس بالحصار، فاختنق من فيه وأبى إلا الرحيل بمراكب قد تصل أو لا تصل. قد يتهم الكثيرون حكومات بلادهم بالتقصير بتأمين العيش الكريم لشعوبهم بفرص عمل تناسب كل فرد حسب تحصيله العلمي أو المهني وتؤمن له الدخل الذي يضمن استمرار بقائه وعدم لجوئه إلى بلاد الاغتراب، وتأمين السكن الشعبي لهم بحدود دخلهم ليأووا إليه آمنين وأسرهم، وليفسحوا المجال لمشاريع إنتاجية وحيوية زراعية وصناعية وحتى تجارية بخبراتهم لينهض البلد ويحتضنهم جميعاً، ورأي بلاد المغترب تشهد بخبراتهم وتستقطبها وتغدق عليهم بالمال. صدمتنا جميعاً فاجعة “قارب الموت” الأخيرة كما فُجعنا بما قبله، ولكن كان للاذقية للأسف الحصة الأكبر بالضحايا من أهلنا، فلم يطل الغياب وبعد الوداع كان الوداع الأخير بدموع ستسكب طويلاً، اللاذقية منكوبة وثكلى تبكي أبناءها، ومركب الهجرة آن له أن يرسو، ودعاؤنا الدائم في كل آذان: اللهم آمنّا في أوطاننا.
ميساء رزق