الوحدة : 22-9-2022
باتت ظاهرة الدروس الخصوصية بعد انتشارها في الآونة الأخيرة كالنار في الهشيم، وارتفاع أسعارها بشكل لافت هاجساً يصيب الأهالي والطلاب، وعبئاً ثقيلاً على أهاليهم، فقد أضحت حاجة أساسية وجزءاً لايتجزأ من حياة الطلاب، وتحولت نتيجة انتشارها وتفشيها بشكل كبير بين الطلاب والمدرسين إلى تجارة رابحة لاتخضع لضوابط أو قوانين تحددها، فتباينت أسعارها بين مدرس وآخر حسب خبرة المدرس وشهرته، وبين معهد تعليمي وآخر، ولعل هذا ما دفع بالأكثرية من المدرسين إلى اللجوء للدروس الخصوصية نتيجة الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، فلم تعد رسالة التعليم تحمل القيم والمعاني التي عهدناها سابقاً، ولم تعد تعطي حقها الكامل في ظل صعوبة المناهج وتعقيدها، بالإضافة إلى كثافة الطلاب ضمن القاعات الصفية وغيرها من هذه الأمور جعلت المدرس عاجزاً عن إيصال المعلومة بسهولة إلى جميع الطلاب، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تفاوت القدرات الاستيعابية لدى الجميع، فكانت دافعاً للغالبية العظمى من أهالي الطلاب الذين يعتبرونها واقعاً ومطلباً لابد منه في إطار السعي لتحقيق النجاح وتحقيق التميز، فتنتشر هذه الظاهرة وتستشري تدريجياً، أما المدرسون فيعتبرونها دعماً للطلاب وخاصة من هم بالمستويات الضعيفة والمتوسطة لتعزيز قدراتهم وتحسينها وتنميتها. في استطلاعنا لآراء طرفي العملية التعليمية من مدرسين وطلاب بالإضافة إلى أهاليهم للوقوف على بعض الجوانب التي ساهمت في تفشيها، تقول السيدة فاتن علي وهي أم لثلاثة أولاد في المرحلتين الإعدادية والثانوية إن الدروس الخصوصية باتت حاجة أساسية لأبنائها وخاصة للشهادة الثانوية، فهي تسعى جاهدة للضغط على اقتصاديات المنزل وحتى حاجات الأسرة مقابل تأمينها لأجور الدرس الخصوصي، لكنها تفضل متابعة دروس أبنائها وتقديم كافة التكاليف حتى لو على حساب أولويات العائلة، مقابل تفوقهم وبلوغهم أعلى المستويات التعليمية، مضيفة بأن التعليم في المدارس لم يعد كما عهدناه سابقاً، ولم تعد رسالة التعليم كما السابق، فالمدرس اليوم نتيجة صعوبة المناهج وتعقيدها، خاصة بالنسبة للشهادات، غير قادر على إيلاء المادة حقها ضمن الحصة الدرسية، مضيفة أنها تخضع أولادها أيضا لدورات تقوية في اللغات الأجنبية والفرنسية، والتي باتت اليوم من الضروريات التي يحتاجها الطالب في كافة المراحل التعليمية. كذلك تؤيدها السيدة منى رزق وهي أم لولدين في المرحلة الثانوية حيث أوضحت بأن أسعار الدروس الخصوصية باتت مرهقة للأهالي خاصة أصحاب الدخل المحدود، فهي تحتاج راتبها وراتب زوجها لتغطية النفقات، وأضافت بأن قلة من المدرسين يؤدون دورهم بشكل كامل في إعطاء المادة حقها ضمن الحصة الدرسية خاصة بالنسبة للشهادات، فقد بات المدرس يدرك تماماً بأن الغالبية العظمى من طلابه يخضعون لدروس خصوصية، لذلك ربما لايكترث لفهم الطلاب ويكون همه إعطاء درسه فقط، مشيرة إلى أن خوف الأهل على مستقبل أولادهم وحرصهم عليهم من الإخفاق كان الحافز الأقوى للاتجاه للدروس الخصوصية من أبسط المواد إلى أعقدها، لذلك تفضل متابعتهم على أن تشعر بالتقصير حيالهم. أما المدرسين فلهم آراؤهم ومبرراتهم حيال ظاهرة الدروس الخصوصية، حيث أوضح مدرس اللغة العربية سهل عجان بأن هذه الظاهرة ظاهرة سلبية ترهق الأهالي بأسعارها المتفاوتة خصوصاً في ظل هذه الظروف، مبيناً بأن هذه الظاهرة قد اتبعها الطلاب بشكل لافت بسبب عدم عمق المدرسين في اختصاصاتهم، وعدم إعطاء الطالب حقه في الصف، نتيجة كثافة عدد الطلاب في القاعات الصفية، بالإضافة إلى ضيق الوقت المحدد للحصة الدرسية خاصة بالنسبة للمواد العلمية، مشيراً إلى أن معظم المدرسين في المدارس هم من الإناث الذين لايمتلكون مهارة ضبط الصف نتيجة كثافة عدد الطلاب الذي يتراوح بين(٣٠ – ٤٠طالباً) ضمن القاعة الواحدة، فالطالب الذي لايتبع دورات سيؤثر ذلك على استيعابه وفهمه للدرس، وأضاف بأن الدروس تحولت إلى عادة يتبعها معظم الطلاب في كافة المراحل التعليمية حتى بتنا نشاهدها في المراحل الابتدائية، مرجحاً ذلك بأنه قد يكون أيضاً نوعاً من التباهي بين الأهالي بإلحاق أبنائهم بدروس خصوصية، ووجه الأهالي بضرورة متابعة أولادهم واهتمامهم بهم ضمن المدارس ومتابعتهم مع مدرسيهم قد تغنيهم عن اتباع دورات في الكثير من المواد، مضيفاً بأن امتلاك المدرس عمق الاختصاص وقوة الشخصية يمكنه من ضبط الصف، وإعطاء الدرس حقه وإيصال المعلومة إلى كافة الطلاب، منوهاً بأن الدروس الخصوصية تعوّد الطالب على الخمول العقلي والاتكالية خاصة إذا اتبعت في مراحل عمرية مبكرة لاسيما عند المدرسين الذين لايمتلكون مهارة التعليم. أما المدرسة ميساء ليلى أكدت على أن انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية مرده إلى التقصير من قبل المدرس نتيجة العدد الكبير للطلاب في القاعة الصفية الذي قد يؤثر على استيعاب الطلاب، لافتة إلى أنه يجب مراعاة قدرات الطلاب ومستوياتهم العقلية التي قد تختلف من طالب إلى آخر، مضيفة بأن عامل الخوف لدى الطالب قد يكون دافعاً قوياً لاتباع الدروس الخصوصية، لذلك يتوجب على المدرس أن يقوم بشكل مستمر بتحفيز طلابه على الدراسة والاعتماد على أنفسهم لتجاوز حالة الخوف، مبينة أن هذه الحالة تدفع بالكثير من الطلاب إلى اتباع دروس خصوصية ضمن المنزل، الأمر الذي يحمل الأهالي أعباء مادية ونفسية، كما أن شعور الغيرة والتنافس بين الطلاب قد يكون سبباً للميل إلى الدروس الخصوصية أيضاً، وأشارت أن انشغال الأهالي عن أولادهم وعجزهم عن متابعتهم قد يدفعهم لها، فقد أصبح هاجس الأهالي اليوم هو حصول أبنائهم على أعلى الدرجات في الامتحان وليس تحصيل المعرفة واكتساب الخبرات، فكانت الدروس الخصوصية نافذة لتحقيق ذلك.
داليا حسن