العـــــدد 9330
الثلاثـــــاء 9 نيســـــان 2019
مشقيتا موطن لصناعات مهمة، فلم تعد الزراعة وحدها الطموح، وهي تمتلك من المؤهلات والخبرات العلمية والأكاديمية ما يجعلها على عجلة الصناعة بالمقدمة، كما تمتلك الموقع الجغرافي والبيئة الطبيعية والساحرة التي تجعلها رائدة في السياحة، شباب لم يهاجروا ويتركوا وطنهم، فكروا بما يمتلكونه من رصيد وعلم نافع لركب عملية التطور والإنتاج وليفسحوا لهم دوراً رائداً في الصناعة الوطنية في بلدهم الذي منع عنه الاستيراد بعقوبات اقتصادية جائرة من حرب ظالمة فكانت
شركة بيو غار، شركة الغار الطبيعي للصناعة الطبية والتجميلية وهي شركة تضامنية معملها في وسط طبيعة رائعة في قرية مشقيتا.
الدكتور خلدون محفوض ويونس الأشقر ووائل قبلان، هم الشركاء الثلاثة مالكو الشركة والدكتور وائل كنا قد قابلناه في زيارتنا للشركة ليقول: تخرجت منذ ثلاث سنوات من كلية الصيدلة، في 2016 بدأت الفكرة ونضجت برأس مال وتمويل ذاتيين ومحفزات ومقومات لصناعة ناجحة لتكون الشركة في قريتنا ومن اسمها (بيو غار) يؤكد توفر الغار والورود في مزارعها بالإضافة لما يحضرونه من كسب ومصياف، كما تتوفر فيها اليد العاملة بكفاءات علمية وشهادات جامعية من الصيادلة والمهندسين والفنيين وغيرهم فكان ذلك امتصاصاً لبطالة تزايدت في الحرب.
عملنا تطلبَ التعاون مع جامعة تشرين لاجراء التحاليل في مخبر الصيدلة ومخبر أخر بوزارة الصحة، ولكن اليوم أغلب التحاليل نجريها في قسم التقانة الحيوية بكلية الزراعة في دمشق، حيث يتضمن المعمل مخابر المراقبة الجرثومية والثباتية الكيميائية اللزوجة وأحدث خطوط الإنتاج وآلات التعبئة والخلاطات والمجانسات، ليكون المنتج والتغليف، حيث نؤمن أوعيتها البلاستيكية من بلدنا ولبنان أما العبوات الكرتونية واللصاقات فهي من بيروت تحديداً لنقدم منتجاً بجودة عالية و(بأمبلاج) مرتب.
نحن اليوم ننافس شركات كبرى في سورية تجاوز عمرها العشرين سنة، كما ننافس المنتج الأجنبي، وصرنا بكل محافظة في سورية، ونغطيها جميعها والطلب متزايد، لهذا مكاننا بات يضيق علينا، ونستعد لإقامة مبنى جديد وستكون الشركة الثانية على مستوى سورية بخمسة طوابق وبأحدث الأنظمة والآلات الأتوماتيكية وليكون المعمل الثالث بالشرق الأوسط.
الشاب مجد قبلان_محامي أشار إلى المعوقات والشكوى العامة لأي معمل وشركة تنشئ هي الترخيص والكم الهائل للورقيات التي تتطلبها فقال: أكثر من سنة ونصف انقضت لأجل إجراءات ترخيص المعمل تدخل فيها 14 دائرة رسمية حكومية ووزارات (التجارة الداخلية، الصحة، البيئة..) لدينا من العمال 15 والأجور مرضية وجيدة من بداية عملهم لتزيد كل ستة أشهر، ووسائل الحماية متوفرة تبدأ باللباس الكامل من القدمين إلى الرأس مع الكمامة كما يوجد الجدار الفاصل عن الإشعال وبوابة الحديد وفيه ضاغط طوارئ وغيره للحشرات وطفاية حريق تؤمن حماية كاملة للمعمل.
عبد الرحمن الرويسي صاحب شركة (تيلبا بات) لصناعة الآلات وهي الشركة التي قامت بصناعة خطوط الإنتاج والخلاطات والمتجانسات لشركة بيو غار قال:
نقوم بتصنيع آلات أي معمل محلياً إن كان غذائياً أو دوائياً وغيره، حيث نقوم بالدراسة أولاً لحاجته ثم نقوم بتصنيعها لتشكل الآلات المطلوبة وبمواصفات عالمية وتنافس السوق الخارجية، لنا عمر طويل وتاريخ حافل بصناعة الآلات في حلب لكن هذه الحرب أثرت سلباً على عملنا ودفعتنا لترك المعمل واللحاق بأعمالنا في اللاذقية والتي كانت تشكو من ركود صناعي، فاقتسمنا مكاناً في المنطقة الصناعية لأجل مؤقت، نصنع اليوم الآلات وأمورنا أفضل لكن ليس هو الطموح، يتزايد الطلب ولكننا نعاني من نقص اليد العاملة والكوادر البشرية المؤهلة التي هاجرت خارج البلد حيث كان في معملي 15عاملاً فنياً ومهندساً وغيرهم لأعمال إدارية ومكتبية، ولم يبق غير 5 عمال كما أن تكلفة المعمل ضخمة، ومن جانب آخر كما نعلم الاختلاف بين طبيعتي حلب واللاذقية ونشاطهما الاقتصادي، وهنا واجهتنا عوائق أخرى إذ ليس كل ما نحتاجه متوفر فيها لهذا نعود في كل حين إلى حلب كان لا بد منها لوجود آلات ضخمة ومعدات توفر الجهد وتساعدنا على السرعة في الإنتاج وجودته، والحمد لله اليوم تبدو الأمور بصورة أفضل، واللاذقية تشهد حركة صناعية وتجارية وهي مقبلة على أن تكون مقصد جميع الفعاليات والنشاطات لموقعها المميز.
بات عمال شركات القطاع الخاص ومعامله أن يكونوا بأفضل من عمال القطاع العام، فالراتب أعلى في أكثر الأحيان، والتأمينات أكثرهم مسجلون فيها ولهم الأحقية بالتعويض والإصابة وغيرها الكثير.
مادلين حسين إحدى العاملات أشارت أنها باشرت العمل منذ افتتاح الشركة، مرتاحة وليس من مشاكل في عملها ولا يحتاج منها جهداً تأتي في 9صباحاً وتخرج في الرابعة، راتبها 30ألف ليرة وهو قابل للزيادة كل 6شهور، وبحسبة بسيطة نرى أنها وفرت الوقت والانتظار لساعات على الطرقات وفي الكراج كما وفرت الأجور أي أنه كراتب موظف من الدرجة الأولى في الدوائر والمؤسسات الحكومية.
راحة بالبكتين
منشأة لصناعة الراحة بالبكتين أي (تقليد للفاكهة المجففة) في أطراف مشقيتا، جميع عماله وعاملاته (سكر زيادة) بقصص وحكايا..
حسام دوهجي أباح بقوله: أحمل لولدي منها ما يحلو لي بدون سؤال أو ثمن، وقال: أنا والماكينة أول من قدم إلى المعمل، بدأت العمل في المشغل منذ عشرين عاماً، فكان فيه العيش والوظيفة، وراتبي كأفضل موظف في الدولة 50ألف ليرة والمواصلات مؤمنة سيارة خاصة تأتي بنا وتعيدنا لمطارحنا، كما أن لدي تأمينات ولا ينقصنا شيء، أقوم بطبخ الراحة وأصبها في قوالبها، حرارتها قد تصل 120 درجة مئوية، وهنا يمكن أن أتعرض لحرق أو لدعة، توجد كفوف لتجنب ذلك لكني لم أعتد عليها وتعيقني في العمل فلا أرغبها، ليس من وسائل حماية غير الحذر.
أحلام غفر أشارت إلى أنها في أحد الأيام علقت يدها بجنزير الماكينة وهب رفاقها لنجدتها بتوقيف الماكينة وسحب يدها بعد جروح في أصابعها الأربعة، وسارع صاحب المعمل لنقلها بسيارته إلى عيادة الطبيب، وكان أن تكفل بمصاريف العلاج ولم يتوقف راتبها رغم تجاوز إجازتها الشهر، وتابعت: بالإضافة إلى تعويض كما أنه سجل أسماءنا في التأمينات الاجتماعية، راتبي 30ألف ليرة والحمد لله يضاف عليه أن سيارة المعمل (بتاخدنا وبتجيبنا) فالمواصلات عقدة الموظفين و(النطرة بالكراج) أصعب ولا أظن رواتبهم أفضل منا.
السيد غالب دوه جي خريج كيمياء تطبيقية صاحب المنشأة أشار إلى أنه قام بتشييدها لصناعة الراحة بالبكتين منذ عام 1998 وهي عبارة عن تقليد للفواكه المجففة تعلمها في بيروت قال: لم أحظ بفرصة عمل بعد تخرجي ولطالما فكرت بأن أقوم بصناعة خفيفة تظهر فيها كفاءتي واختصاصي الجامعي، ومن الفقر هربت إلى لبنان لأعمل في أحد معامل الراحة، ولما عدت جاهدت كثيراً ليكون هذا المعمل.
المعوقات التي صادفتني لم تكن من مديرية الصناعة فهي قدمت جميع التسهيلات ليقوم المعمل بل من القروض الصناعية، حيث أخذت فيما مضى قرضين والحقيقة (مسخرة) من ناحية المبلغ ونوعية الكفالات والفوائد والكلفة، الأول قدره 100ألف ليرة والآخر 60ألف ليرة وكان هذا في التسعينيات ليدفع الواحد منا أجور تكاسي وكشوفات وغيرها الكثير، 60ألف هي بمثابة 500ألف ليرة اليوم وكما ترين نحتاج لمليون ليرة لأجل القيام بالعمل اليومي فقروضهم لا يمكن أن تكفي الصناعيين، أما الأسواق فكان لصناعتنا قبل الحرب سوق في الإمارات والأردن والسعودية والعراق وليبيا والسويد، واليوم هي خفيفة على السويد، التسعيرة في الخارج مستقرة أما في السوق المحلي فهي غير ثابتة ويمكن أن نبيع بخسارة (اللي بتربحيه هونيك بتحطيه هون) فبالاثنين نغطي احتياجات المعمل، لهذا نفضل البيع للخارج فالسوق المحلي لوحده يشكل خطراً على المعمل والعاملين فيه، كما أن المادة الأساسية في صناعتنا هي البكتين وسعر الكيس الواحد 25ألف ليرة وأيضاً السكر والغليكوز والمنكهات والألوان وجميعها استيراد وليس فيها مادة محلية، حتى السلوفان يصنع خارجاً لكن آلية فرزه في بلدنا وهو ما يجعلنا نواجه سعر صرف الدولار لنعيش تحت رحمته، أصبر ولا أرفع سعر بضاعتي إلا بعد أن أكون قد أنهيت مونة المعمل من المواد الأولية التي تكفي لثلاثة أشهر إنتاج عسى أن يستقر الدولار، وماذا يمكن أن أحادثك عن المازوت والمحروقات التي تلزمنا في العمل وتشكل عبئاً كبيراً علينا، غاز لا يوجد، فقلنا مازوت وهو الأفضل حيث يمكن تخزينه لبعض الوقت، طلعت رخصة وراجعت شركة سادكوب عشرات المرات وهو ما كلفني 500 ليرة لليتر المازوت ذهاباً وإياباً، (وروح يمين وتعى شمال) عن الموظفين ونطرة على باب المدير، ودفع للكشف و.. يضعوننا في متاهة وعذاب يمكن اختصارها بأن نستجير ونستغيث أهل (النشامى) من أصحاب السيارات والسرافيس لنبتاع منهم (بيدوناً) يقف الليتر فيه 350ليرة، ولدينا عامل خصص لأجل تأمين المازوت من هنا وهناك، فكيف لنا أن نفكر بزيادة الإنتاج وتكبير المشروع وهذا غيض من فيض؟ وتابع:
في أحد المرات فكرت بالأمر واشتريت آليات لمعمل بسكويت من طرطوس وهي اليوم مرمية في المستودع، فليس لنا أمل في السوق المحلية أن ننافس البسكويت التركي المهرب الذي يطرح فيها ويملؤها ولو كان بخسارة (طيبة وتباع بأقل من كلفتها) وكأنها دست لأجل ضرب اقتصادنا، حيث لدينا العامل أرخص والوقود مازوت وغاز وكهرباء أرخص ووسائل النقل أرخص، ونسمع على شاشات التلفاز ترتيبات لأجل حماية المنتج المحلي ولا نر شيئاً منه على الواقع، (بياكلها الصغار) ومثلنا كغيرنا من الصناعات والمنشآت منها النسيجية ترين الأسواق تعج بالبضاعة التركية، وقد حرمت زوجتي منها طيلة هذه السنوات وقاطعناها، لكنها في السوق ويقول التجار عنها فرنسي وإيطالي فأين قرار منع استيرادها؟ يقولون لنا: اشتغلوا ولا يؤمنون لنا شيئاً، الشيء الوحيد الذي تم تأمينه فقط في المدينة الصناعية هي الكهرباء (8-4) مساء.
يوجد في المعمل 18عاملاً وعاملة رواتبهم بين (30-40) ألف ليرة وبعضهم سجلتهم بالتأمينات الاجتماعية وهم الدائمون في سجلات الحضور، حيث أن بعضهم يتركون المعمل إذا استحوذ على فرصة عمل حكومية أو من تزوجت وتفرغت لبيتها، لنعود للبحث عن غيرهم، كما أنه توجد سيارة لنقلهم من وإلى بيوتهم بعد أن انتقلنا من وسط القرية إلى الأطراف فقد كنا نشكو الرطوبة وهو ما يؤثر على المنتج وارتفعنا على منطقة مكشوفة لنحافظ على سرعة جفاف عالية، ليس لدينا من وسائل حماية غير الحذر، ليس عندنا مكنات وقاطعات وإنما كل ما في الأمر قسم واحد فيه الطبخ والصب بالقوالب والتغليف والتعبئة، وإن تعرض أحدهم لشيء فهو ليس بخطير ولن يكون أكثر من حرق بسيط من الطبخة، ونحن نقدم كافة التعويضات والأجور لأي عمل طبي وإصابة، الخطر محتمل وطبيعي كما في أي عمل.
وضعت منشوراً بالناحية والبلدية لمعمل البسكويت عسى أن يرى النور بالشهر الثامن وحسب الدراسة ممكن استيعاب 25عاملاً، وقد كان سابقاً يوجد سوق خان الحرير بحلب اشتركت فيه حيث يقصده زوار من جميع المدن الداخلية والبلاد الخارجية ليرى ما يعجبه وليتذوق السكاكر وهو ما يمثل فنون الدعاية فيتصل فلان أنه يريد بضاعة من المنتج كذا، فنتفق حينها على صيغة معينة لطلبياته لكن اليوم لم يعد هذا متوفراً لكن بالنتيجة ربحنا فيهم الأصدقاء، كل ما نطلبه من الدولة هو المحروقات والمازوت بالأخص.
وفي مكان آخر غير هذه المنشأة والمعمل وليس ببعيد عنهما، لقمة العيش مغمسة بالدم، حيث مديرهن يسب ويشتم وهن صامتات، والدوام من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثامنة مساء في أكثر الأحيان ودون تعويض أو مكافأة، حتى أن الشهر الأخير لم يصرف لهن كما أن العمل غير مستقر ولا اطمئنان فيه حيث تشل الحركة ويتوقف العمل أياماً وأيام أخر يطلب فيها المدير منهم عدم المجيء هذا ما قالته بعض العاملات اللواتي اتفقنا أخيراً على الإضراب وترك العمل إلى أن يكون لهن بمثل ما في كل معمل (وهن خائفات) لكن في بيوتهن أفواه أطفال ومرضى ومسنين وفي الحلق غصة والقلب تعب والنفس صحراء من تقدر منهن على الهرب والجلوس في البيت الخاوي من كل حياة، فتيات خرجن للبحث عن عمل آخر، إذ سرعان ما فكت بعضهن الوعد واليمين ورجعن دون حلفان وسؤال لعملهن فالحياة مرة وأكثر من العلقم تجترهن كل يوم وتلطمهن كل حين فليس للطم كلامه على نفوسهن غير ما يقع على قمم الجبال.. يا جبار (لم نذكر الأسماء خوفاً على هؤلاء أن نقطع برزقهن وعيشهن) وبحصة تسند جرة..
هدى سلوم