الوحدة: 25- 8- 2022
يشكل المطبخ للأطفال الحلم كما في مدينة ألعابهم، والملاهي حيث يركبون حصان أفكارهم لخوض المغامرة بإثارة وتشويق، فيطلقوا العنان لعبثهم وفضولهم وينفلتوا على طاولة المطبخ، لتكون التجربة التي أعدوا لها الأواني والصحون والسكر والطحين والفاكهة والخضار مع الشوبك، والسكين خفية عن الأم أو بإلحاح عليها لترضخ لطلبهم وترتفع درجات الحرارة فيه، وتغلي الأواني المستطرقة والطناجر تحت شعلة فرحهم، وتكون النتيجة بعد خروجهم من المخبر صحناً شهياً لذيذاً، كما يدعون، وسط فوضى عارمة ليس لها مثيل تؤدي إلى انفجار بركان غضب الوالدة.
الطفلة جويل، وأخوها جاد أكدا أن المطبخ هو الهدف والطموح يوم العطلة، حيث يكون الأكل بوجبات، ويفرحان كثيراً إذا ما دعتهما والدتهما لمساعدتها في الطبخ، فيعيشان أجمل اللحظات و أمتعها وسط كل هذه الوسائل والتركيبات كما في غرفة الألعاب، ويشيران إلى أن من حقهما مساعدة الأم في تجهيز الكاتو، والحلويات خصوصاً في أعياد الميلاد ووالدتهما تحقق لهما هذه الأمنية كل عام. لكن في النهاية يأتي التوبيخ ووجوب دخول الحمام بعد الفوضى وانتشار الطحين في الأجواء وسقوط البيض على الأرض مع الكثير من المواد، بعدها يأتي الانفراج والفرح ببعض عبارات الإعجاب والشكر للمشاركة والمساعدة من الوالدة مع بعض النصائح والتوجيهات.
أم غنوة أشارت بأن طفلتيها بعمر /8 -10 / سنوات تركضان وراءها إلى المطبخ كلما أرادت الطبخ وإعداد الطعام وترجوانها المساعدة في الجلي وتنظيف الصحون وحتى تقطيع الخضار.
أما الانفلات الأكبر فيكون وقت تحضير الحلويات، فالطحين يتناثر تحت ريح أنفاسهما وأصابعهما التي تهوي عليه ويلتصق على الكفين فأقول ليتني لم أوافق على رغبتهما، وأكدت أن دخول المطبخ هاجس لدى كل الأطفال وخصوصاً البنت، وكأنه فطرة، تسأل وتستفسر وكأنها في الصف والدرس عن كل صغيرة وكبيرة حتى أنها أحياناً تملك دفتراً صغيراً، تكتب عليه الوصفات وترسمها كما في حكاياتها وأمنية كل صغيرة حمل السكين والتقطيع لكل ما يأتي بين أيديها ولها الحق في ذلك وتعليمها كل شؤون المطبخ والبيت. فالغد قريب وستكون فيه سيدة البيت ومسؤولة عن المطبخ والتنظيف، وهي تفرح بمشاركة ابنتيها لها ومساعدتها ولو كان في ذلك انزعاج ومزيد من العمل وقد يدركها وقت الغداء، فتصرخ مطالبة بخروجهما وتكون راضية حتى لو كان ما في الحسبان واحترقت الطبخة (من كثرة الطباخين).
السيدة عفراء العلي مرشدة اجتماعية أفادتنا ببعض الإرشادات في أمر دخول الأطفال مملكة السيدات (المطبخ) لتكون المفاجآت حيث قالت: حين تجتمع الأم مع أطفالها على طاولة المطبخ ليشاركوها تحضير الطعام وما يرغبون فإن فيه من الفوائد الكثير، إذ تقوى رابطة الصداقة بينهم وتقوم ببناء علاقة وطيدة تساعد على التفاهم بتخصيص بعض الوقت لهم واللهو معهم وتعليمهم بعض المهارات الصغيرة، وكل مرة نقول لن نعيدها لكن نرجع للقول: إنهم يتعلمون.. يتعلمون بعض المهارات الجيدة ويكسبون المعلومات حول صناعتها و تركيبها بعض الثقافات والموروثات. كما أنهم يتعلمون مشاركة الآخرين والعمل الجماعي، وبالتالي لا يصعب عليهم العمل ضمن فريق، تقبل الأصدقاء الجدد في المدرسة و تعزيز الانفتاح على الآخرين بالإضافة إلى أن مشاركتهم في الإنجاز وإتمام المهمات يشعرهم بالفخر والبهجة تستولي عليهم، عندما يسمعون المديح والشكر والثناء فهو يعزز ثقتهم بنفسهم ويدفعهم لتطوير قدراتهم بهدف التطور والإبداع، وأيضاً عملهم في المطبخ يستخدمون لأجله حواسهم الخمسة (ذوق وشم ورؤية ولمس وحتى السمع)، وفي النهاية هو متعة و تسلية لا تضاهيها حديقة أو مدينة ألعاب لكن عليك سيدتي الحذر وإبعاد أطفالك عن منطقة الخطر حيث إشعال الموقد أو القلي وصعود البخار كما من الضروري أن تختاري الوجبات سهلة التحضير وتحتوي على فوائد غذائية كبيرة، وأخيراً إن تحضيرهم وجبة لا يفضلونها يمكن أن تساعدك على اجتياز هذه العثرة في تقبلها وأكلها.
السيد أحمد قره علي – علم نفس، ينصح كل أم بدعوة الأولاد بنات وصبيان لمشاركتها في أعمال المطبخ، فهو قد يغير في نظرة المجتمع السائدة أن المطبخ و الطبخ مسؤولية الفتاة وحدها، وهو غير صحيح بعد أن تساوت مع الشباب فهي درست وتخرجت من الجامعة وتعمل خارج منزلها بجانبه، فلها الحق أن يكون جانبها في المطبخ ويمكن أن يسبقها إليه، ففيه الاستقلالية والاعتماد على الذات وحاجة ماسة لدى الجميع خاصة أن معظم الشباب هاجروا لبلد الغربة بعيداً عن الأم ويمكن أن تستثمر الأم هذه الأوقات في تعليم أطفالها بعض القيم أو حل المشكلات وتوجيه بعض النصائح والقرارات بإرسال رسائل غير مباشرة لتستفيد من الوقت الذي يسمح لها بالحديث باهتمام وبعيداً عن جلسات الوعظ والإرشاد المملة والتي تدفعهم دائماً للنفور والرفض.
هدى سلوم