أزواج يفرون من خرم الباب
الوحدة: 25-6-2022
من رحم الزمن الموجع تولد الحكايا وصور الناس وتتكاثر بأشكال لغايات، ولا تخلو أبداً من سير الأزواج بتفاصيل وأحوال تتبع الزوج المتغير المزاج والمتقلب الفؤاد، فهو إن مرض (لا سمح الله) كانت زوجته بجانبه طوال الوقت كالسيروم في يده تبث نبض الحياة فيه، فهي (بنت أصول ومعه ع الحلوة والمرة)، حتى أنها لتكاد تشعر بنفس أعراض مرضه ولا تضعف، تقوم بكل واجباتها لأجله ولا تتنفس الصعداء، وإن كان العكس وأقعدها المرض في فراشها خرج فاراً من غرفتها ومسكنها كله بحجة ” نقها ” طوال الوقت، وقد ينسل من حياتها متجاهلاً مشاعرها، وهو يسأل المارة في طريقه عن الزواج.
سلوى أكدت أنها تعرضت لمضايقة أحدهم أثناء عودتها من عملها، قاصدة موقف السرفيس، حيث اعترض طريقها صوت رجل بعمر الخمسين يطلب منها التعارف وإن كانت توافق لتكون زوجة عوضاً عن زوجته التي أصابها المرض السقيم وأقعدها الفراش مرض خبيث ليس من أمل للشفاء فيه، تقول: لقد شعرت بالقرف منه، بل وصل الأمر لاحتقاره وكرهه، ولم أرد عليه بل سرت في الطريق بغير وجهة هرباً منه ذاك اللئيم، كيف أشعر بالأمان من طرفه وهو قليل الأمانة ولا أصل فيه، أناني لا يحب غير نفسه ولم يفكر بزوجته المسكينة التي وقعت في المرض بعد أن أفنت كل قواها وجسدها في بيت زوجها فاعتلت وسقمت ليسأم منها رجلها وقد كانت سنده لسنوات، ألا يعلم أنه لن يكون له نصيب بغير ما في حسبته ومن نفس طينته.
أما كفاح فهي قد تجاوزت من سني العمر الأربعين وتجلس في بيت عائلتها بعد الطلاق ولم يأتها النصيب غير اليوم حيث أن جارتها أم كريم لديها أخ في الستين وقد مرضت زوجته ولا يستطيع أن يبقى بجانبها طوال الوقت فسألتها أن تكسب فيه حسنة وترضى الزواج به لتساعد زوجته وترفع عنها بلاء المرض، وهي تفكر بالأمر فهي في كلا المكانين بنفس الأمر والحال، تعمل في الطبخ والتنظيف وخدمة أهل البيت، وفرصة لينسى الناس قصة طلاقها وعسى أن يكون لها حياة جديدة بعيدة عن الآلام.
بانة هي أم لثلاثة أولاد، أصابها المرض الخبيث في أوج صباها، فعاندته واستكبرت على آلامها لأجل الأولاد، وكان زوجها سنداً لها ومعززاً لثقتها في دفع البلاء عنها والرغبة بالحياة، فقد كان يذهب معها إلى الطبيب ويستفسر عن وضعها ويعطيها الدواء ويرافقها عند الجرعات، بل أنه كان يسهر جانبها ويراعيها طوال الوقت لهذا لم ينل المرض الفتاك منها بل ولى بلا رجعة بإذن الله، واليوم تكمل حياتها مع زوجها وأولادها وتقوم بكل واجباتها فقد قصرت فيها لبضعة أعوام، وها هي قد عادت من الموت وتكمل المشوار مع رفيق الدرب والقلب.
سوزان وقد أصابها المرض الخبيث منذ أعوام ونجت بإرادتها وحبها للحياة قالت: بالإرادة وتصميمي على النجاة والحياة هزمت خوفي ومرضي، فهذا السيروم النفسي يبث النبض في الجسد الموجوع ليكون الشفاء، لقد دخل المرض جسدي وتغلغل في خلاياه ونبتت جذوره داخل عروقي فأنهك قواي ولم يكن أمامي من علاج غير عملية جراحية فيها خطورة كبيرة وقد تبدى الهلع في نفسي ونفوس المحيطين بي ورأيت نظراتهم تحيطني معلنة بأني لن أخرج من غرفة العمليات حية والجميع كان قد استودعني وكلهم حزن وشفقة على حالي المتعبة، لكن كلها لم تكن تؤثر في داخلي مثل ما كانت نظرات ولدي الشاب المقهور والخائف أن يفقدني، عندها أقسمت أني سأرجع إليه وسأعيش لأجل أن أزفه عريساً، وبعد هذا الكابوس والذي انجلى وتبددت ظلمته كان قد كتب القدر لي أن أعيش، في الوقت الذي تخلى فيه زوجي عني وأسرع بعد أشهر قليلة بالزواج وتركني بحجة أنني لم أعد نافعة له كزوجة ويريد أولاداً، ولى هارباً مني وأنا أعاني الضعف والقلة وأتصارع مع المرض جرعة تضعفني وأخرى تزيدني قوة وصبراً ولم أستسلم يوماً، حتى أن ولدي كان سندي الوحيد، اشتغل في المونة والمطبخ والمعجنات ليساعدني على تأمين سبل الحياة ومتطلبات العلاج، فوجدت الشفقة والإحسان عند كل الناس إلا زوجي الذي نسي العشرة وتركني وحيدة أكابد الأمرين، ولم أكن لاستسلم ليصبح المرض بخبر كان، وسأفرح بولدي وأرى أحفادي بإذن الله.
هدى سلوم