الوحدة : 22-6-2022
.! كثيراً ما نسمع عن قصص شفاء اجترعها الطب العربي، آخر حديث روته لنا سيدة عن معاناتها الشديدة بسبب نوع من الأكزما أصاب كفها فعجزت عن فتحه، وزارت العديد من الأطباء في مدن سورية شتى ولم تصل إلى علاج بل زادت حالتها سوءاً وألماً، أما شفاؤها التام فكان بكمية ضئيلة من دواء عربي وصفه لها بائع خضار يمتهن الطب العربي. حديثنا اليوم عن قصص فريدة حدثت في قرية صغيرة في ريف طرطوس، حيث مانزال نسمع من الناس العديد من القصص العجيبة عن حالات شفاء لمرضى كاد المرض يفتك بهم، كان بطلها طبيب عربي مغمور. توجّهنا لكبار السن ممن جاوزا التسعين نستقصي أخباره الشيقة ونتأكد من صحتها، فقد تعوّدت أسماعنا على شتى القصص والفوائد الطبية لنباتات وأعشاب كان يستعملها ويوصي الناس بها. قرية الملوعة بريف طرطوس حباها الله بطبيب عربي قل مثيله كان اسمه محمد سعدية ” أبو عبّود “، جاءها يتيماً من جرد القدموس وعاش فيها منذ طفولته عند عائلة محمد حسين شربا، قبل مئة عام. قال عنه الراحل سعيد حيدر “أبو أحمد” في حديث له : لقد وجد كتاباً لابن سينا تعلّم منه كلّ هذا الطب وكان ذكياً جداً يتمتع بذاكرة ممتازة. من قصصه حسب سعيد، أن رجلاً بلغ به العمر شأواً قد جنّ وذهب عقله، فكان يأكل ثمار الصبّار بشوكها، فظهرت عليه أعراض الألم بعد فترة وعالجه هذا الطبيب. ويروي أكبر الناس سنّاً في المنطقة واسمه تميم أبو قاسم ” أبو محمد” بعض الأحداث والقصص التي عاصرها أو سمع بها: مريض من قرية “العسلية” عاينه الدكتور مدحت عرنوق وغادر بيت المريض، وكان هذا الطبيب هو الوحيد ذلك الزمان يعاين المرضى، باع والده نايف عرنوق كرمه في السودا وأراضٍ له ليعلّم أولاده، فعلّم ابنه الطب في فرنسا، والناس يقولون لقد جنّ هذا الرجل، وحين عاد ابنه طبيباً وتعلّم أولاده، أصبحوا يقولون هو الوحيد العاقل بيننا والذي يعرف مصلحته. ويتابع السيد “تميم”حديثه فيقول: التقى الدكتور بأبي عبود في الطريق صدفة، وسأله أين تذهب يا أبو عبود فأجابه إلى قرية العسلية، فأجابه الطبيب بأن يعود أدراجه فالمريض لا أمل منه ولا فائدة من العلاج لكنه تابع طريقه إلى بيت ذلك المريض وأبى أن يعود دون رؤيته. تابع أبو عبود مسيره ووصل دار المريض وكان اسمه “محمد سميرة” بالسين الساكنة، وهو وحيد أهله، سأل الناس عن موس حادّة ، فقالوا له بأن الحلاق “محمد خضور” لديه واحداً فأحضروه، فكشف عن رأس المريض وشطّب بقعة بعد تنظيفها من الشعر وأخرج الدم الأسود، والناس حوله يبكون، فسألهم لماذا كلّ هذا البكاء، لن أذهب دون أن آكل وإياه، تساءلوا: هل جنّ أبو عبود، طلب بعض الثوم هرسه وضمّد به مكان التشطيب ووضع عليهم الملح ووضع العصابة من تحت ذقنه. وبعد قليل استيقظ المريض من غيبوبته وصرخ وسط دهشة الجميع: “بدي آكل” وجلس وأكل معه أبو عبود وسط فرحة وسعادة أهله، كان المريض يعاني من اليرقان، أخد أجراً جديلة من الثوم. يتابع السيد “تميم” : ان جل ماكان يتقاضاه أجراً لجهوده هو جديلة من الثوم أو القليل من “التين الهبّول” على الأغلب، ذاع صيته كثيراً وسمع الطبيب “عرنوق” بقصة شفاء المريض في العسلية، فقال : لو كان هناك إمكانية لمنحته شهادة في الطب، فهو جدير بها. يتابع “تميم” الذي يبلغ 97 عاماً حديثه، فيقول : أن أبا عبود عمل مطهّراً وقام بطهور جميع الأطفال تلك الأيام. وإذا ما جرح أحد الناس أثناء العمل بالأرض، يذهب إلى أبي عبود، ويرضى بأجر زهيد ليمونة أو اثنتين أو رأسي ثوم… وعن الأعشاب الطبية الأكثر نفعاً ، يقول أن أبا عبّود اعتبر “الشذاب” دواءً للموت، والهندباء والخبيزة والخسّيسة كّها أعشاب طبية وآذان الخيل دواء للجروح، وعشبة “حي العالم” كانت تعمل على تبريد الحرارة في الجسم. وغالباً يتداول الناس أخباراً عنه، بأن المرأة تمدّ يدها من الشباك فيفحص نبضها فيعرف هل هي حامل أو لا وكان يحدّد جنس الجنين من نبض الحامل، وأنه ذات مرة التقى بالطبيب مدحت عرنوق وأحبّ أن يختبره فجعله يجسّ نبضه فعرف أن الجزمة التي يرتديها عقرت رجله. ومن القصص التي يتداولها الناس أنه عاد مريضاً في قرية أخرى وكان برفقته رجل اسمه “ملحم”. كان المريض هزيلاً جداً و يكاد يختنق، فطلب من زميله أن يجلب له عوداً من شجرة شوك وقام بتسويته بالسكّين وترك فيه شوكة وأدخله في حلق المريض ليخرج “علقة” ضخمة كانت تمتص الدم وتضخّمت حتّى كادت تخنقه، ثم استعاد المريض عافيته. كان إذا حضره مريض يشخّص له الداء والدواء ويطبّق العلاج ولا يعيده، ويكون شفاءاً تاماً. عاش طويلاً حتى بلغ 127 سنة.
إعداد: أحمد كريم منصور