الوحدة: 17- 3- 2022
المعلّم الحقيقي ليس فقط ساكبٌ للعلم والمعرفة، وإنما الأهم مربٍّ فاضل يزرع في نفوس طلابه القيم والأخلاق الحميدة.
وبمناسبة عيد المعلّم نقف وقفة احترام وتقدير لأحد أشهر معلّمي اللاذقية على مدى ستة عقود الأستاذ الفنّان رشيد شخيص، الذائع الصيت بإنسانيته في التعامل مع طلّابه، والتارك أثراً طيّباً لن يُمحى من ذاكرة الأجيال المتعاقبة.
وفيما يأتي مشاركة وجدانية لجريدة الوحدة معه. عن بدايته كمعلْم وبعضاً من ذكرياته الجميلة ومواقفه النبيلة.
بدأ الأستاذ شخيص كلامه فقال: بدايتي في التدريس كانت في العام الدراسي ١٩٦٣-١٩٦٤ في مدرسة أسامة بن زيد .
تعاقدتُ مع الدولة لتعليم الفنون نظراً لعدم وجود مدرّس متخصّص في الفنون الجميلة.
أذكر حينها كنتُ واقفاً مع أ.زياد عجّان وكان وقت انصراف الطلّاب وكأنهم يخرجون من السجن.
فقلت للأستاذ زياد سوف أغيّر هذه الصورة، وقمت حينها على وجه السرعة بجهدٍ استثنائيّ بإنشاء لجانٍ مدرسية : لجنة الرسم والمعارض – لجنة الموسيقا والمسرح – لجنة الرحلات العلميّة – لجنة رياضيّة لكافة الألعاب.
خصّصتُ ساعة كاملة لهذه اللجان بعد الانصراف وفق برنامج وأعطيتُ لكل طالب بطاقة انتساب حسب لجنته والشرط الأساسي موافقة الأهل.
تغيّرت الصورة تماماً بعد اشتراك الطلّاب بهذه النشاطات المتنوّعة والتي راعت أذواق أغلب الطلبة. كنتُ أنظّم للطلاب في كلّ عام معرضاً للرسم والخط العربي. أذكر أول معرض أقمته في مدرسة أسامة بن زيد كان برعاية وزير التربية آنذاك أ.سليمان الخشّ الذي كان في الأصل مدرّساً في اللغة العربية في ثانوية جول جمّال، ثمّ أصبح وزيراً للثقافة، وبعدها وزيراً للتربية.
وبنهاية المعرض وجّه الوزير كلمة شكر لي وللمدرسة.
وعن المدارس التي درّس فيها أ.شخيص يتابع حديثه الشيّق: درّستُ في أغلب مدارس المحافظة وأبرزها : جول جمّال – عدنان المالكي – الكرمل الخاصّة – الوطنيّة الأرثوذوكسيّة الخاصة – الأرض المقدّسة – والمدارس الجديدة واحة الشام – أبجدية الغريب؛ والكثير من معاهد الرسم الخاصة أيضاً.
وعن طريقة تعامله السحريّة مع الطلّاب يروي لنا هذه الذكرى فيقول: للحقيقة والتاريخ كان مدير مدرسة أسامة بن زيد أ.عطا نعيسة يترجم عن اللغات الأجنبية أحدث وسائل التربية والتعليم، ويجمعنا كمدرّسين ويعطينا التعليمات ويراقب تنفيذنا لها، وهذا ما أعطى خبرة كبيرة لطاقم المدرسة آنذاك وسمعة تفوّق للمدرسة ليس فقط بالفنون والمسرح والرياضة، بل تفوّقاً دراسيّاً علميّاً.
كنت أقوم بشكلٍ شخصيٍّ بتوزيع مكافآت وجوائز للطلّاب الثلاثة الأوائل واستمريت بهذه العادة على مدى عقود ولآخر يوم تدريسي لي.
ستٌ وخمسون سنةً وأنا مواظب على هذه العادة .
كنت أيضاً أوزّع مستلزمات الرسم من دفاتر وأقلام رصاص وألوان وكل ما يلزم الطالب الذي لا يملك أدوات الرسم لأيّ سبب كان.
زرع الله في قلبي وفي نفسي ما يُسمّى اكتشاف الموهبة عند الطفل واشتغلت على هذا لدرجة أنني عام ٢٠٠٧ افتتحت معهد الفوز بشكل مجّاني لحين ٢٠١١ .
ويتابع خرّجت عشرات من الموهوبين .يخطر لذاكرتي الآن الخطّاط /توفيق دمياطي/ الذي كان أوّل خطّاط في جريدة الوحدة في عددها صفر الأول ٦/١٥/١٩٨٤.
وهذا الخطّاط اليوم يدرّس الخط العربي في جامعة استنبول.
الطالب/ فؤاد حسن/الذي يُصدِر كل عام مجلّة فنيّة تتضمن أعماله ويبعث نسخة لي.
أما عن الخدمات الكبيرة التي قدّمها لمحافظة اللاذقية من ناحية التوثيق بالرسم لها، يشرح: كان ذلك عندما وضعتُ لنفسي خطّين متوازيين الأول :لإحياء تراث مدينة اللاذقية و تاريخي عبر رسمي ل/١٢٠/ لوحة زيتية عن اللاذقية أبرز شوارعها ومعالهما المميزة.
أمّا الخط الثاني هو رسمي لكلّ اللوحات العالمية المحفوظة في أهم المتاحف العالمية وتقديمها بسعر التكلفة فقط لمحبّي اقتنائها.
كنت أعرض هذه اللوحات العالميّة في معارض عامّة من عام ١٩٨٢ وحتى عام ١٩٩٩ في متحف اللاذقية.
كان الزوار بالآلاف يأتون مدهوشين بلوحات عالميّة وكأنّها جُلِبَت لهم من المتاحف العالمية. وكلّ من يستحبّ لوحة ولا يقدر دفع تكلفتها فقط، كنت أقوم بإهدائه إيّاها.
فهذا ما تربيت عليه مع الكبار في اللاذقية أمثال جبرائيل سعادة، محمود عجّان، كامل صالح، سليمان الزين، زياد عجّان.
كانوا مجموعة عباقرة لم يقبلوا ولا مرّة أن يتقاضوا قرشاً لقاء العمل الفنّي الذي يقومون به.. عطاءاتهم كانت مجانيّة.
بقي للقول: تلك كانت ذكريات لغيض من فيض مع أستاذ الإنسانية الفنان رشيد شخيص الذي كان كمدرس، ظاهرة استثنائية من الصعب أن تتكرر، ومثالاً يُحتَذى به.
فتحيّة تقدير وحبّ واحترام له من على منبر جريدة الوحدة التي كان له فيها ولسنوات، مشاركات ومقالات رائعة على صفحاتها.
مهى الشريقي