” بروين اعتصامي ” نجمةٌ في سماءِ الأدب الفارسي

الوحدة : 16-3-2022

كعادتهم في تكريم كِبار أعلامهم يحتفي الإيرانيون سنوياً بيوم تكريم الشّاعرة الإيرانيّة الشّهيرة “بروين اعتصامي” الذي يصادف السّادس عشر من آذار من كل عام, فرغبتُ في هذه المناسبة أن أعرّف قرّاء جريدة الوحدة الغرّاء بهذه الشّاعرة العظيمة, آملةً لهم كل الفائدة.

من ظلال الزّهر إلى عروش المجد انطلقت شاعرتنا, حاملةً بإبداعها أوجاع النّاس, راسمةً بكلماتها صوراً تدغدغ الوجدان, وتخاطب العقول, ولوحاتٍ تحطّم القيود, مسافرةً بقرائها إلى أماكن ومحطّات قلما أدركها غيرها, إنّها الشّاعرة الإيرانيّة رخشنده يوسف اعتصامي التي ولدت في تبريز في 16 آذار عام ۱۹۰٦, فحطّت كطائرٍ ملائكيّ في بيتٍ مفعم بالصفاء, والنّقاء, والعلم, والأدب, وصارت رمزاً من رموز الشّعر في إيران والعالم. كان أبوها عالماً, وأديباً معروفاً, ومن مؤسّسي النّهضة الأدبيّة في بلده؛ إذ ترجم روائع الأعمال الأدبيّة لكبار كتّاب العالم, وأدبائه, وألّف مؤلفاتٍ فخمةً شملت مختلف المسائل العلميّة, والأدبيّة, والأخلاقيّة, والتّاريخية, والاقتصاديّة, وكان منزله قبلة أهل العلم, ومقصد أساطين الأدب, وقد صقلت بروين شاعريتها من خلال ما تلقّته في منزلها من علومٍ ومعارف باللّغتين الفارسيّة والعربيّة.

نهض والدها بمهمة دعم موهبتها الشّعريّة التي بزغت, وهي لم تتعدَ الثّمانية أعوام في زمنٍ كان البيتُ مكاناً لا تغادره المرأة إلّا لتتوسّد قبرها. بيد أنّ والدها رسم لابنته الاستثنائيّة طريقاً آخر قادها إلى العالميّة في إبداعها الفتّان, وموهبتها الفذّة, فسندها وساندها, وأخذ بيدها, وهذّب لغتها, وشذّب قصائدها, ورعاها, وأعانها في نشرها في المجلّات الأدبيّة آنذاك. فاضت أشعار بروين بالحكمة, والعبرة, وانطوت مضامين قصائدها على المعاني الأخلاقيّة, والعرفانيّة السامية, وتميّزت بلغة شعريّة بليغة شكّلت ترانيم على شفاه كلّ من قرأها, ومما ترجم لها:  

يا صديقي أنتَ من أهلِ القلوب

أنتَ روحٌ فَذَرِ الجسمَ لتـعلو

إنّ عيني لا ترى من قيمةٍ

لتراب يزدريه الثّوبُ يهفـو

رَوِّضِ الجسمَ لترقى الرّوح فيك

هذّبِ الإيمان في قلبك يسمو

لقد عمدت بروين إلى بعث الشّعر الفارسيّ, فخرجت من عباءة التّقليد, وجدّدت في لغة القصيدة, وعبّرت عن مستجدات عصرها, وتحدّثت عن قضايا المرأة والفقراء والأيتام والعدل والحرية, ونهلت من ينابيع الأدب الفارسيّ, والتّراث الإسلاميّ الأصيل, واستثمرت قراءاتها لشعراء كبار, من مثل:

الشيرازيين حافظ وسعدي, فانمازت, وجُعلت في مصاف الكبار من شعراء العالم بشهادة كبار الأدباء, والباحثين. أصدرت الشّاعرة ديوانها الأول المتضمّن ۱٥۰ قصيدة ومثنوياً، وقد تولّى شاعر إيران الكبير «بهار» التّقديم له بمقدّمةٍ لافتةٍ ضمّنها حصيلة تقييمه لإبداعها وميزات لغتها الشّعريّة, ومما قاله فيها: «إن بروين في إنشاء قصائدها وبعد ذكر مضامين عرفانيّة وحكميّة عالية، تقود الرّوح البشريّة إلى الحياة والآمال للوصول إلى الكمال والغايات السامية».

ومن أشعارها:

عبرة من طرفِ هُدْبٍ سقـطت

دحرجتها العينُ ولهى فَهَوَت

نفخت في ظلمة العرش كمـا

نجمة تنثـرُ ضوءاً فهوت

قلبُها البحـرُ وما إن ظمـأت

رشفت قطرةَ دمٍ وهوت

وفي أبياتٍ تفيض بالحكمة والعبرة توجهت الشّاعرة اعتصامي مخاطبةً الإنسانيّة, فقالت:

عين الحقيقةِ فَلْتَرَ الدُّنْيّا بها

هذي الحياة انظُــرْ إليها واعتبر

لا فرق مَنْ كُنْتَ وما قدْ صرتهُ

مُنْتَهى الرِّحْلة في هذا الممــر

المرءُ فيها ولـو تباهـى قوّةً

بلغ النّهايـة ثمّ مسكيناً عبـرْ

حينما يغـدو مصيرك واقعـاً

أيُّ الدُّروب تحميك مِن هذا القـدر

وقد نُقشت هذه الأبيات على ضريحها القائم في مدينة قم المقدّسة, وكانت بروين قد توفيت في ريعان شبابها, وأوج عطائها في 5 نيسان عام 1941, وهي في السادسة والثلاثين من عمرها, فرحم الله امرأة سمّت نفسها ثريا/ بروين, فكانت ثريا في سماء الإبداع.

د. بانا شباني

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار