الوحدة : 16-12-2021
يُقدم العديد من الطلبة السوريين لنيل شهادات عدة بعد إنهائهم لتحصيلهم العلمي الرئيسي، أو يقومون بدراسة فرعين جامعيين في الآن ذاته، وهنا لا نتحدث عن شهادات مثل (اللغة والحاسوب) وغيرها من الشهادات المطلوبة، إنما نشير إلى الرغبة بنيلهم شهادات من كليات جامعية مختلفة، وهنا يأتي السؤال: ما سبب حصول الطالب على شهادات عدة من كليات مختلفة؟ وهل سيؤثر ذلك على حياته بشكل إيجابي أم سلبي؟
في البداية سنتطرق لمفهوم (التخصص المزدوج) و(الدرجة المزدوجة) في بعض الجامعات العالمية اعتمدت بعض الجامعات العالمية برنامجاً يسمى (بالتخصص المزدوج)، يتيح فيه للطالب بدراسة تخصص ثان مختلف عن تخصصه الرئيسي تحت سقف الكلية نفسها، حيث يحصل الطالب فيها على تخصصين مختلفين بشهادة بكالوريوس واحدة.
أما (الدرجة المزدوجة) فتتيح للطالب دراسة تخصصين مختلفين من كليتين مختلفتين، ما يسمح للطالب بالحصول على شهادتين منفصلتين بشهادتي بكالوريوس مختلفتين.
ونشرت دراسة سابقة لباحثين في مجال التعليم (أن أصحاب التخصص الجامعي المزدوج يحققون أداء أفضل، وهم أكثر إبداعاً)، إلا أن الالتحاق بهذا البرنامج مرتبط بشروط معينة، حيث لا يمكن منح الطالب شهادة ثانية إلا بعد تخرجه من اختصاصه الرئيسي، إضافة لاجتياز الطالب لجميع المواد التي درسها في تخصصه الرئيسي بنجاح. وبالعودة إلى سؤالنا حول رأي بعض الطلبة بتعدد الشهادات المختلفة من كليات مختلفة، وما إذا كان تأثيرها على الحياة العملية جيداً أم لا، شاركنا البعض بآرائهم المتفاوتة وتجاربهم المختلفة خلال مسيرتهم الدراسية الطويلة.
كنت أخطط للحصول على شهادتين مختلفتين، مي الرضوان وهي موفدة الى روسيا لدراسة الدكتوراه في التربية الرياضية تروي تجربتها التي أوصلتها لدراسة الدكتوراه قائلة: في البداية فكرت بدراسة فرعين دراسيين في كليتين مختلفتين، إلا أن تفوقي في كلية التربية الرياضية غير هذه الفكرة، وكان سبباً في تعييني كمعيدة في جامعة حماه، حيث حصلت على الإيفاد لدراسة الماجستير والدكتوراه.
أدركت مي عند وصولها إلى ماهي عليه حتى اللحظة، أن تعدد الشهادات من كليات مختلفة، ليس مجرد إنجاز للحديث عنه، كما أنه لا يحدد مستوياتنا المعرفية، إنما التعمق بالاختصاص ضمن الكلية نفسها هو الأهم.. وترى أنه يمكننا الاستفادة من شهادات عدة، شرط أن يكون ضمن اختصاصنا، كما فعلت بحصولها على شهادات في الطب الرياضي، والتدريب والتحكيم في العديد من الألعاب الرياضية كالجمباز وألعاب القوى وغيرها، فهذه الشهادات برأيها تثمر ضمن الاختصاص، وتسمح للطالب بإتقان ما بدأه أكثر من الحصول على شهادات باختصاصات مختلفة. وتضيف قائلة: عندما يدرك الطالب أنه أخطأ بانتقاء الاختصاص الذي يدرسه، وشعر بتشتت ذهني حياله، عليه أن يغير اختصاصه ويتدارك الأمر، ويسجل اختصاصاً آخر يحبه ويبرع به، أمّا في حال رغب بالاطلاع على بعض الاختصاصات الأخرى فيمكنه اللجوء إلى المطالعة، حيث يمكّنه ذلك من اكتساب المعارف المرجوّة باستثمار أكبر للوقت.
أما علي حسن كان له رأي آخر.. نحن أمام عقدة مجتمعية متعلقة بالشهادة… كيف يحصل من ليس لديهم شهادات كثيرة على فرص عمل برواتب مغرية؟
هكذا بدأ علي حسن حديثه، وهو حاصل على شهادة من كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية في جامعة تشرين، حيث توجه لدراسة تصميم الجرافيك عبر الإنترنت، كما خاض في الريادة في الفن، وتعلم الآلة والتعليق الصوتي، ومجالات حصل فيها على شهادات عدة، كما خاض في مجالات لم يحصل فيها على شهادات، فهو يفضل اكتساب الخبرات الحقيقية على أن يجمع الشهادات فقط، كما يرى أننا أمام عقدة مجتمعية متعلقة بالشهادة، حيث لا يمكننا مجاراة هذا الزمن الحديث بعقلية رجعية، كما نعاني من مشكلة التخزين المؤقت في دراسة الطلاب، والذي بدوره سيقف عائقاً بينهم وبين اكتساب الخبرات في المجالات التي يمكن أن يبرعوا بها، ونوه في حديثه أن الخبرات هي أساس مهم للتطوير والتحديث، حيث تقدر فرص العمل ما بين ٣٠-٤٠% من سوق العمل وهي نسبة ضئيلة قياسا بعدد الشهادات، لكن هذه الفرص متاحة أمام الخبرات والمهارات التي يُدفع لها مبالغ كبيرة كونها جزءاً مهماً جداً في تطوير قطاعات العمل، هنا لا ننكر أهمية الاختصاص إذا ما أبدع فيه الطالب، لأنه زمن المهارات والخبرات التي ستُسأل فيها: ما هي خبراتك؟ هل لغتك جيدة؟ إذا حصلت على الوظيفة، ماهي خططك لتحسين هذا القطاع؟ وما إلى ذلك، لكنه لن يسألك عن عدد الشهادات الحاصل عليها فحسب، وهذا هو سبب وقوف أصحاب الشهادات عاجزين أمام سوق العمل الذي ينادي بالخبرات والمهارات.
الاختصاصات المختلفة ليست سوى شغف شبابي بالنسبة لدراسة اختصاصات مختلفة، فهو يراها كحالة شغف شبابية فقط إن لم ترق لاكتساب الخبرات الحقيقية، حيث لا يلوم ولا يغفل الظروف الخاصة التي يمر بها بعض الطلاب، بل يلوم الظروف التي يمليها الأهل على أولادهم بإجبارهم على إكمال تخصص معين، أو الموقف الذي يُشعِر الطالب بفشل ذريع أمام المجتمع إن لم ينه دراسة تخصصه، وأسوأ ما يمكن أن يصل إليه الطالب، رغبة الحصول على أكبر قدر من الشهادات ظنا منه أنه بات على درجة ثقافية كبيرة أمام المجتمع حسب رأيه، وهنا مكمن الخطأ.. فانتقال الطالب من تخصص لتخصص آخر مختلف م اهو إلا حالة صحية في أي مجتمع إذا ما حاكى الرغبة باكتساب خبرات ستوصل إلى النجاح والإبداع، وهذا ما فعله علي حسن بانتقاله لدراسة الإعلام الذي التمس فيه شغفه بفضاء الصوت والصورة، إضافة للفكر التسويقي والإعلاني الذي سيضفي على عمله الكثير من الاحترافية مستقبلا. تختلف آراء الطلاب حول تعدد الشهادات وأسباب الحصول عليها، لكنها تجمع على أهمية الخوض بدراسة اختصاصات مفضلة، سواء كان الاختصاص المفضل إلى جانب اختصاصات ثانية أو من خلال التعمق ضمن الاختصاص ذاته… إلا أن لغز الإبداع يبقى حكراً على دراسة اختصاص يحاكي العقل المتناغم مع قلب محب.
حسن إسماعيل