أنيس وخضراء الدمن… رواية للأديب وائل غازي شعبان

الوحدة: 26-8-2021


صدرت حديثاً عن دار آس للطباعة والنشر, في أكثر من 250 صفحة من القطع المتوسط رواية أنيس وخضراء الدمن، للأديب وائل غازي شعبان.

يهدي الكاتب روايته إلى حبيبته سورية، الحاضرة في القلب, والروح، مهما بعد السوري أو اقترب، إن عاش في أمريكا, أو في طرطوس, بجانب بحرها أو في جبالها.

من يقرأ الرواية يصل إلى نتيجة أقرَها الكاتب في ختام كتابه حيث يجمع الفلسفة مع الهلوسة, والترميز, والتصوير الواقعي لشخصياته.. فيرى القارئ أبطال الرواية يمشون, يتكلمون, يتألمون, ويعرفهم, يصاحبهم, يحزن لحالهم.. ولا يحزن منهم.. يحبهم يتعاطف معهم..

وكما يقول الكاتب، تراه يجلس في مقعد يشابه عرش الرب، يحرك الدمى بخيطان القدر، يجمع الواقع, ويمزجه بالخيال, والغرابة.

أنيس وخضراء الدمن، أنيس.. كلنا يعرفه وبدر.. لكن هنا أنيس دون بدر.. أنيس ورشا الشابة الجميلة التي تحتاج لكرسيها الصدئ لتمشي.. تداعب رشا أنيساً, تحدثه, وهو لعبة من قماش لكنه رفيق, ومؤنس مثل اسمه..

خضراء الدمن.. وحسب حديث لرسول الله الأعظم هي المرأة الحسناء في منبت السوء.. لكن هنا هي خضراء وسط الدمن..

رشا التي تحتاج لعمل جراحي يجريه سام الطبيب القادم من أمريكا الابن بالروح لأزدشير الولاشي .. الهارب إلى أمريكا ليدرس.. تاركاً حبيبته عذاب, حاملاً كراسه يكتب فيه ما يريد, وما يحس, ومنه:

ليس الحب يا خضراء الدمن (عذاب)، طبعاً سوى انعكاس لسبب الخلق, وعلته،.

الحب غاية التكوين.. فإن أحببتك فقد أتممت الرسالة.

ويقول: المرأة تعشق بإذنها, أما الرجل فبعينه, ثم يستسلمان لما يفيض به الفؤاد.. وبذلك تكتمل ثلاثية الحياة القائمة على الحب: (إن السمع, والبصر, والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً).  ن سورة الاسراء .

أزدشير صاحب القلب الكبير, والقلم المنير, والحظ العسير, وخضراء الدمن هي الأقرب إلى الوهم, وقد جعل منها الملهمة في غربته, هي سورية بالنسبة له, حيث ابتلع سكين الرحيل, وحصل على كامل غيابها مشفوعاً  بكامل حضورها.. عذاب كاسمها..

أما سام فهو الطبيب الجراح الذي لازمه أزدشير, وصقل معدنه بعد مقتل والديه وكان طفلاً.. في حادثة إطلاق رصاص من أصوليين في أمريكا, وقيدت الحادثة ضد مجهول!

في كرَاس أزدشير الذي أطلق عليه الدمن اسم خضراء وفاء لمن أهدته الكرَاس قبل رحيله من سورية، المخطوط بكل الحب, والأساطير, الذكريات, النجوى, والشوق رغم البعد.. فالعشق عقيدة, والحب حد فاصل بين الموت, وما سواه.. وهو سبب استمرار الدهور, أمانة سماوية.. والمعشوقة أمانة أرضية.

سام الطبيب الجميل كما يراه القارئ.. في طريق عودته وأزدشير إلى سورية, وكان قد ترك كارلا الصبية الصهيونية التي لم تكن تصلح أن تكون زوجة أو أما لأولاده – حسب ازدشير الأب الروحي – سوف ينساها كما نسي هو حبيبته!

هي خدعة لن تمر على سام..

أما رشا ابنة المساعد محمد التي ماتت أمها أثناء ولادتها فهي تشبه عذاب الحبيبة التي هجرها أزدشير ورحل, ولم ترحل من قلبه..

أم البنين (عذاب) عمة رشا المحرومة من وحيدها, وقد زوَجها أخوها لرجل رآه مناسباً..

عذاب الفراشة التي خلقت من جوهر العبير كجناحين من أثير هي الخضراء التي نشأت وسط الدمن..

عن طرطوس : ومن صحيفة عذابات أزدشير يقول:

لم أميز وجهاً واحداً مبتسماً.. قرى بأكملها لم ألمح فيها شاباً..

يسمون أوروبا قارة عجوزاً!! تعالوا, وشاهدوا طرطوس!

وفيها: طرطوس, وأهلها.. عاداتهم, طرق عيشهم, وما قدموه خلال الحرب من أرواح شبابهم .. وصور عن الحياة..

التنور, والبرغل, والأعياد, وحوت الدين الذي يطيعه الكثيرون.. إذ يطيعون الأعراف أكثر من ضمائرهم.. المظاهر الاجتماعية كتقبيل الأيادي.. وغيرها.

في الرواية.. وبعد أن يتجول أزدشير أو الولاشي كما يلقب.. يتجول في الجبال بحثاً عن حبيبته وحنيناً لبلاده, وهو العاشق المشتاق المريض الذي يرفض لقاح كورونا, يموت بالكورونا قبل أن ينجز مهمة لقاء بعذاب.. لكن أن يموت في بلده بعد أن فرح بلقياها هو الهدف, والأمنية.

تنتهي الرواية نهاية سعيدة في مشهد يختصر الوقائع.. سام يتزوج رشا المعافاة شبيهة كارلا وقد نجح الدكتور سام في إنقاذها من مرضها بينما جلس محمد والدها في كرسي الشلل وقد تحقق طلبه من ربه.. فداء لابنته!

ينتهي الكاتب بقول: سورية بلد الواجبات, والتضحيات, والذكريات, والأمنيات, والأعاجيب والأكاذيب.. أما أميركا فهي بلد الفقاعات الملونة.

سعاد سليمان

تصفح المزيد..
آخر الأخبار