الولادات القيصرية.. وثقافة النساء من الألف إلى الياء

الوحدة : 18-8-2021

تعتبر صفة الأمومة من أقدس وأعظم الصفات التي وهبها الخالق عز وجل للأنثى إلا أن المشيئة الإلهية قدرت أن تمر المرأة بمراحل عدة تتطلب منها التضحية والصبر من أجل طفلها الموعود، بدءاً من فترة الحمل مروراً بالولادة فالرضاعة ومن ثم الرعاية وتقديم كل أنواع العطاء في سبيل سعادته ورسم الفرحة على وجهه.
إلا أننا هنا سنمحور دراستنا حول أهم المراحل التي تمر بها المرأة ألا وهي مرحلة الولادة والخلاص.
إذ لحظنا في الآونة الأخيرة توجه عدد كبير من النساء الحوامل للولادة القيصرية سواء بأسباب مرضية تستدعي ذلك في بعض الحالات و بدون أسباب في حالات عدة.
وهنا كان لابد لنا من استشارة أصحاب الاختصاص والخبرة لتوضيح ونشر الوعي والثقافة الطبية بين النساء حول أهمية هذا الموضوع ومدى خطورته عند الاستهتار به فكان لنا جلسة قيمة مع اختصاصية التوليد وأمراض النساء وجراحتها ضمن مشفى التوليد والأطفال بمحافظة اللاذقية الدكتورة زهور محمد معلا إذ وضحت لنا قائلة:
تتم الولادة الطبيعية دون أي تدخل جراحي ويتم فيها خروج الجنين عبر الطريق التناسلي وتحدث عفوياً عندما ينضج الجنين ويحين موعد الولادة.
أما العملية القيصرية فيقوم الطبيب من خلالها باستخراج الجنين عبر شق يجرى على جدار البطن والرحم بطريقة مبرمجة وموعد محدد مسبق، وعن سبب توجه النساء الحوامل للعمليات القيصرية وبكثرة أضافت الدكتورة معلا :
الأمر مرتبط بخوف النساء من الولادة الطبيعية فمن المعروف أن (الخروس) وهي المرأة الحامل للمرة الأولى لا تعرف ما ستتعرض له من أحداث أثناء المخاض إضافة لما تسمعه من المحيط عن آلام الولادة وخطورتها والتأثير الجمالي على المنطقة التناسلية كما أن قلة الدعم النفسي للسيدة الحامل من قبل الأشخاص المحيطين بها مثل (الزوج- الأم- الأقرباء) يجعلها متوترة الأعصاب ونقص الوعي الكافي لدى النساء حول ميزات الولادة الطبيعية وفوائدها كل ذلك يعطي صورة مغلوطة عن المخاض وبالتالي تتوجه أنظار النساء نحو الولادة القيصرية.
كما كشفت الدكتورة زهور أن عدد الولادات القيصرية يفوق عدد الولادات الطبيعية لا بل ضعف الولادات الطبيعية مبينة أن ذلك يعود لزيادة عدد الخروسات من الحوامل وما يرافقها من اختلاطات (كعدم التناسب الحوضي للجنين والمجيء المقعدي وتأخر سن الزواج، إضافة لانتشار الأجهزة الإلكترونية التي تسمح بمراقبة الجنين خلال فترات الحمل، وكشف مظاهر تألمه وبالتالي الحاجة لإجراء القيصرية الإسعافية) أضف لذلك إجراء عملية قيصرية للسيدة الحامل وللمرة الأولى يستدعي الحاجة لإجراء قيصرية في الحمل الثاني.
ولدى استفسارنا حول الفروقات الإيجابية والسلبية للولادات الطبيعية والقيصرية أجابت الدكتورة زهور: تحتاج السيدة في الولادة الطبيعية لوقت أقصر للخروج من المستشفى وتعود لممارسة حياتها بشكل أسرع وعدم الحاجة لتناول المسكنات إلا أنه يجب عليها تحمل ألم المخاض والصبر، كما يمكن لها ضم جنينها مباشرة وملامسته وإرضاعه في حين أن المرأة في الولادة القيصرية تحتاج لمواد تخدير ومدة استشفاء أطول بعد العملية وتأخر في عودة الأمعاء إلى حركتها الطبيعية والحاجة إلى مسكنات بعد الولادة لتخفيف آلام العمل الجراحي، والمعلوم أن السيدة هنا لا تمر بمرحلة المخاض والصبر ولا يمكنها إرضاع طفلها مباشرة وضمه بعد خروجه للحياة لأنها تكون في حالة تخدير وخاصة إذا كان التخدير عاماً.
ووجهت الدكتورة معلا رسالة للنساء بشكل عام قالت فيها: كوني سيدة وطبيبة أمراض نسائية وعضواً في فريق ENAD أنصح بالولادة الطبيعية في حال عدم وجود أسباب تستدعي الولادة القيصرية وفي حال كانت هنالك حاجة لإجراء عملية قيصرية أحث النساء بالخضوع لطريقة التخدير القطني لأنه في هذه الحالة لن تصل مواد التخدير للجنين كما يمكن للأم إرضاع طفلها مباشرة وضمه وملامسته.
من جانبها اختصاصية علم الاجتماع في جامعة تشرين الدكتورة رندة اسماعيل أبدت رأيها حول موضوعنا هذا قائلة:
لقد اختلفت علينا الأساسيات الحقيقية بمقومات الحياة السليمة الصحيحة للروابط الروحية والمقدسة مع التطور الحالي المتسارع، فقد بدأ تأثير إيقاع الحياة السريع وعدم تحمل المعاناة والصبر سائداً في مجتمعاتنا حتى في الولادة عند النساء منوهة لأهمية هرمون العناق وتأثيره على مشاعر الأم والأولاد فيزيولوجياً وروحياً، والذي لم يعد موجوداً في مراحل الولادة القيصرية لأن الأم في حالة تخدير كامل مشيرة إلى أن الزيادة الحالية في عمليات الولادة القيصرية تثير القلق وخصوصاً في الخمس عشرة سنة الأخيرة لما لها من مخاطر قصيرة الأجل بالنسبة لصحة الأم والجنين ومخاطر طويلة الأمد من الناحية النفسية والسلوكية الاجتماعية والتأثير الكبير على الناحية التأسيسية للعلاقات الأسرية (طريقة التعبير عن طبيعة المشاعر قد اختلفت وذلك بسبب اختلاف الروابط الأساسية السليمة الحقيقية لمبدأ طبيعة الإنسان التكوينية) مؤكدة أنه لا يمكن نكران إيجابيات العمليات القيصرية لبعض الحالات لكن الموازنة بين سلبياتها وإيجابياتها تدفعنا للقول: أنه في حال عدم وجود أسباب مرضية تفرض على السيدة الخضوع للولادة القيصرية فنحن نرجح الولادة الطبيعية قولاً واحداً.

أما بالنسبة لمدى صحة وجواز إجراء عمليات الولادات القيصرية للنساء الحوامل بأسباب وبدون أسباب شرعاً فقد وضح أستاذ الشريعة الإسلامية الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكا مفسراً: ورد في السنة النبوية الشريفة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن للمرأة في حملها إلى وضعها إلى فصالها من الأجر كالمتشحط في سبيل الله فإن هلكت فيما بين ذلك فلها أجر الشهيد) رواه عبد بن حميد في مسنده وورد أيضاً قول صلى الله عليه وسلم (الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد والغرق شهيد وصاحب ذات الجنب شهيد والمبطون شهيد والحريق شهيد والذي يموت تحت الهدم شهيد والمرأة تموت بجمع شهيد) قال ابن حجر: التي تموت وفي بطنها ولد وقال النووي وإنما كانت هذه الموتات شهادة بفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها، وفيما يتعلق بالتخفيف من آلام المخاض والولادة أضاف الدكتور كوكة: لابأس في ذلك مالم يكن هناك ضرر على الأم والمولود أما ما يسمى بالعملية القيصرية فهذا بنظره يقرره الأطباء المختصون عند اللزوم و في حال طلبت المرأة إجراء عملية قيصرية دون الحاجة لها فالذي يظهر هو عدم الجواز وذلك لما يترتب عليه من مفاسد وكون الولادة الطبيعية هي الأصل ومصلحة الأم والجنين تقتضي بأن تكون الولادة طبيعية فلا يجوز العدول عنها إلى الولادة القيصرية إلا لضرورة يقررها الأطباء أصحاب الاختصاص والله أعلم .
أخيراً..
حتماً إن المشاعر والروابط الإنسانية هي أساس تماسك المجتمعات التي محال الحفاظ عليها إلا من خلال التضحيات والصبر على الظروف و العطاء من أجل البقاء والاستمرارية، فكيف الحال لو كانت هذه المشاعر تربطنا بفلذات أكبادنا (أطفالنا)؟ وهذا يتوجب علينا تقديس التكوين الإلهي للطبيعة البشرية وأسرار وجودها على هذه الأرض وبالتالي الصبر على الآلام التي قدرها لنا الخالق عز وجل في سبيل الخلاص.

جراح عدره

تصفح المزيد..
آخر الأخبار