الجدار

الوحدة :1-8-2021

في منتصف القرن الماضي، كان يقيم بهامشٍ من هوامش المدينة التي توقّف الوقتُ فيها.

ولأسبابٍ ضروريّةٍ، انهمكَ في تنفيذ فكرته ببناء جدارٍ مع أصدقاء ومتطوّعين تعثّرت حياتهم وانكسرتْ في هذا المكان.

لم يرتفع الجدار إلّا قليلاً حتّى انقسم المشاركون ،كلُّ على طريقته، وقسمٌ آخر اكتفى بإصدار التعليمات الّتي تميّزت بالتّناقض والتّباعد، فتحوّل كُلّ شيءٍ إلى ما يشبه مشاجرةً في مضاربِ (بدوٍ) أيقظهم ثأرٌ قديمٌ!

في النّهاية اكتمل الجدار، وبدا حبلَ غسيلٍ ملابسه من حجارةٍ، ليصفه أحد المارّة بجدار الاحتضار.

لم يمضِ يومٌ أو يومان إلّا وكان الجدار حكاية المدينة، ليقوم حاكمها بفرض غرامةٍ شهريّة على صاحب الفكرة، يدفعها بانتظامٍ اعتماداً على قانونٍ لا يسمحُ بإزالة الجدران، وإنّما بإزالة الجيوب.

أجاب آخر: هذا الجدار قبرٌ معلّقٌ في الهواء، ومثله لا يستر الميْتَ ولو اجتمعت عليه أغطية التّخفي بكاملها.

تتسارع الأحداث وتتسابق بمحاذاة الجدارِ، فقد شُقّ طريقٌ سريعٌ، ومن حوله متاجر تتزاحم بالكّم والنّوع، تتوسّطها دكّان حلّاق، وعلى مقربةٍ ليست ببعيدةٍ، سوقٌ يضحك ويبتسم بكلّ أصناف وأنواع الفاكهة والخضار الطّازجة!

حين اقترب موعد الغرامة: جهّز الرّجل نفسه للهرب لكت هروبه كان فاشلاً، أو ربّما أفشله جيرانه الجّدد، وألحّوا عليه بالبقاء، مع تأمين ما يلزمه من أسباب العيش.

أدركَ بعدها أنّهم مُراقبون يتاقضون رواتب محترمةٍ، وباختفائه تنتهي عقودهم، وسيواجهون عقوبة التّغاضي عن بناء جدارٍ جديدٍ.

مفاجأةٌ أخرى قدّمها أصحاب المتاجر، وهي دفع الغرامة الشّهريّة كُلّما استحقّ دفعها، مع مبلغٍ ماليٍّ يأتيه من عائدات زوّار الجدار الفضوليّين!!

قال في سرّه: ما يتمّ انفاقه على مراقبتي، يكفي لبناء عشرات الجدران (الضّروريّة) في هذه المدينة، ولأنّه من المتعذّر حفر خندقٍ اختفي فيه: سأرحل بالسّقوط من أعلى هذا الجدار.

سمير عوض

تصفح المزيد..
آخر الأخبار