كواليس القصيد…. البيت القاتل

الوحدة 26-7-2021

 

من منا لا يعرف المتنبي؟! ومن منا لم يستخدم يوماً بيته المشهور للتعبير عن حالة ما من الفخر سواء على سبيل الجد أو المزاح : الخيل والليل والبيداء تعرفني   والسيف والرمح والقرطاس والقلم. قراءة هذا البيت لا تكلف قارئه أكثر من جهد تحريك شفتيه وقد يحتاج إلى قليل من التفكير في ترتيب كلماته إذا خانته الذاكرة، لكن هذا البيت كلف صاحبه حياته وصار يعرف بالبيت الذي قتل صاحبه.

يقال إن  جمعاً من المقاتلين على رأسهم رجل يدعى فاتك بن أبي جهل الأسدي اعترضوا طريق المتنبي أثناء سفره إلى الكوفة بعد عودته من مصر، وكان المتنبي قد هجا يوماً ضبة العتبي ابن أخت فاتك بقصيدة أتى فيها على ضبة وأبيه وأمه فأراد فاتك أن ينتقم لأخته وابنها فاعترض مع رجاله طريق المتنبي، وعندما شعر المتنبي أن لا حول له في مواجهتهم وأن الغلبة لابد لهم ارتد بحصانه يريد الفرار فقال له غلامه: لا يتحدث الناس عنك بالفرار وأنت القائل الخيل والليل والبيداء تعرفني  والسيف والرمح والقرطاس والقلم! أجابه المتنبي: لقد قتلتني قتلك الله، وعاد فواجه مهاجميه فقاتل حتى قُتل واشتهر بيته بأنه البيت الذي قتل صاحبه، فمن في الحقيقة قتل المتنبي؟ هل هو فعلاً بيته الشهير؟ أم اعتداده بنفسه وكبرها؟ أم غلامه الذي وضعه بين خيارين إما أن يكون الشاعر الفار القوال لا الفعال أو أن يكون الشاعر الفارس الذي يطابق فخره فعله، أم أن قاتله الحقيقي هو قصيدة الهجاء التي هجا فيها ضبة وأباه المقتول وأمه المسبية بأقذع الألفاظ والتي كان مطلعها ما أنصف القوم ضبة وأمه الطُرطبّة.

بكل الأحوال المتنبي مات وبقي شعره أدباً خالداً في ضمير أمة الضاد ومنهلاً لا ينضب من نواهل القصيد العربي.

شروق ديب ضاهر

تصفح المزيد..
آخر الأخبار