الوحدة : 25-7-2021
يحكى أن هشام بن عبد الملك حج يوماً إلى الكعبة برفقة الشاعر الفرزدق وجماعة من أعيان الشام فلما أنهى الطواف أراد أن يستلم الحجر الأسود فلم يستطع إليه سبيلاً رغم جهده بسبب كثرة الزحام فأمر فنصب له كرسياً جلس عليه وجعل ينظر إلى الناس وبينما هو كذلك أقبل زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فطاف بالبيت ولما انتهى إلى الحجر الأسود يريد استلامه تنحى الناس وشقوا له سبيلاً حتى وصل الحجر فاستلمه، ذهل رفاق هشام من هذا المشهد المهيب وسألوه عمن يكون هذا الرجل الذي شق له الناس في زحامهم سبيلاً فأجابهم هشام غير مخفٍ غيظه: لا أعرفه! استصعب الفرزدق أن يتجاهل هشام قامة بمقام زين العابدين أمام الناس فقال أنا أعرفه وارتجل ينشد فيه:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبيت يعرفه والحِل والحرم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله
بجده أنبياء الله قد خُتموا
وليس قولك من هذا بضائره
العرب تعرف من أنكرت والعجم
ما قال لا قطّ إلا في تشهده
لولا التشهد كانت لاءه نعم
من يشكر الله يشكر أوّليّة ذا
فالدين من بيت هذا ناله الأمم
من معشرٍ حبهم دينٌ وبغضهمُ
كفرٌ وقربُهمُ منجى ومعتَصَم
إن عُدَّ أهل التقى كانوا أئمتَهم
أو قيل من خير أهل الأرض؟ قيل همُ
القصيدة طويلة في أبياتها جميلة في بلاغتها ومعانيها وما ورد كان جزءاً يسيراً منها والجدير بالذكر أن ميمية الفرزدق أغضبت هشام بن عبد الملك فأمر بحبس حرية الفرزدق ما بين مكة والمدينة الأمر الذي دفع الفرزدق إلى هجاء هشام قائلاً:
أتحبسني بين المدينة والتي
إليها قلوب الناس يهوي منيبها
يقلب رأساً لم يكن رأس سيد
وعيناً له حولاء بادٍ عيوبها.
الفرزدق شاعرٌ مداحٌ هجاءُ مفاخر عُرفَ في حياته بالتنقل بين ذوي الشأن والالتصاق بهم لكن ذلك لم يمنع قصيد الحق من أن يشق سبيلاً في صدره عندما شقّ الناس أمامه سبيلاً لقامة الحق رغم تنكر ذوي الشأن لها.
شروق ديب ضاهر