الوحدة 18-7-2021
الدريكيش (المدينة)، همومها قديمة حديثة متراكمة، هي خامة بكل الأبعاد والمقاييس، تنطبق على تفاصيلها السياحة المكتملة، هي جوهرة حقيقية بحاجة إلى صناعة وتسويق وإعلان لتُجدّد روحها وتعود الثقة القديمة الفريدة، كانت أيقونة السواح الخليجيين العرب والأوروبيين، وكذلك سواح الداخل جُلّهم قادمون من حلب الشهباء الذين يتوافدون إليها سنوياً حتى الآن، هي بحاجة إلى إعادة تهيئة وتعريف، بحاجة لطُرق مريحة تستوعب كثافة الزوّار وراحتهم، بحاجة لوزارة سياحة تُروُج لهذا المنتج الفريد بمنح تسهيلات لإشادة منتجعات ومطاعم ومنتزهات، كنّا قديماً في المقدّمة سياحياً، كانت الدريكيش تعجّ بالسواح الأجانب والعرب لأنها كاملة المواصفات السياحية من مياه معدنية عذبة وطبيعة خلابة وأهل مضيافين محبين، لقد سُلب حق الدريكيش بالسياحة، كيف.. ومن.. ولماذا؟ أين نحن من سياحة الجارة مشتى الحلو وكذلك الكفارين، لماذا الزبداني ومضايا وبقين وبلودان، ولماذا صحارى ودروشة والقلمون .. لقد خرجت الدريكيش عن الخارطة السياحية.
كنّا صغاراً نهاية سبعينيات القرن الماضي وخلال بداية الثمانينات، كنا مساءً نتدرّج على طريق قريتنا النحيل الذي تفترشه بعض بقع الزفت الخجولة، طبعاً همّنا الوصول إلى ذلك الكورنيش غير آبهين بسيرة الضبعة التي يُحكى أنها تظهر ليلاً تحت خرنوبة بو عيسى في ذلك الظلام الدامس، حيث أننا لم نتشرّف بالكهرباء بعد، لكن همّنا هو تناول البوظة ذات الطعم الجديد على أفواهنا، حيث بائعها يسكن أحد مقاعد الكورنيش الشهير، كنا نلاحظ وجوه المصطافين الغرباء الذين يفترشون حجارة الكورنيش التي نلهو بتعدادها كونها غريبة على شكل عمارتنا الترابية العتيقة، هؤلاء الغرباء لباسهم كان عبارة عن مزركشات لا تُخفي المحظور ونِعال وصنادل غريبة، يرمقوننا بأعينهم الزرقاء تتخلّلها بسمة خجولة يختبئ خلفها حَسَد ونية غير واضحة، لكن علِمنا مؤخراً أن ذلك الفرنسي المستعمر الذي سكن تلك الجنان يعرف الكثير والمثير عن حقيقة ما نمتلك من روعة الحياة وأهمها المياه المعدنية التي كانوا على دراية راسخة بجودتها على مستوى العالم، هم أتوا فقط لينعشوا أرواحهم بهواء طبيعتنا ومياهنا العذبة، كانت أعدادهم كبيرة يتوزعون على منعطفات ذلك الكورنيش، أما منتجات ومقتنيات الكورنيش فكانت إضافة للبوظة عرانيس الذرة المسلوقة والمشوية وفستق العبيد والتين والمربيات المتنوعة والمنحوتات الخشبية، وعلى نهاية الكورنيش وبداية المدينة (الميسة) كانت السينما التي تستقطب أعداداً هائلة من المتفرجين وقد كانت ظاهرة فريدة في تلك الأيام ذات برامج ومواعيد دقيقة لعرض الأفلام المنوّعة، لم ندخل في قراها وما تمتلك وتكتنز من الروعة والجمال، فهذا بحاجة لعرض آخر.. هكذا كانت دريكيش المدينة، هذه معانيها وبرامجها عبر تلك السنين الغابرة، فهل قتلنا ترتيبنا السياحي أم أنه قُتل عمداً في سبيل انتعاش مطارح أخرى على حساب دروشة أفكارنا وتطلعاتنا المستقبلة الخجولة المتمثلة بضَعف المقدّرات المالية في إنشاء دور للراحة ومنتزهات عريقة وفنادق تستوعب زُوار الداخل الذين كانوا يستأجرون بيوت المدينة، أمّا زوّار وسوّاح الخارج فهم مقتنعون بفندق المدينة الوحيد بذلك الوقت ولا زال وحيداً حتى الآن، وهنا الطامّة الكبرى، وهنا كذلك مربط الفرس.
سليمان حسين