(ليس الأمر كما يبدو ).. رواية تمزج الخيال بالواقع

الوحدة 13-7-2021

 

التجربة الأولى كانت في عالم الشعر عبر مجموعتها الشعرية (كريستال) واليوم تبحر الأديبة الروائية مارغريت جمل في جنس أدبي آخر وتقدم لنا روايتها الرشيقة (ليس الأمر كما يبدو ) وهي بذلك تجمع بين أجناس أدبية مختلفة مؤكدة نضوج تجربتها في عالم الكلمة المبدعة.

هي رواية حاولت ونجحت في عملية الدمج بين الواقع بما فيه من تفاصيل صغيرة والخيال الذي يحلم دائماً بالمستقبل ويجنح إليه.

الخيال بما تقتضيه حالة من يحاور ظله وهو كائن كما وردت تسميته في النص، هذا الكائن الذي دخل ليجيب على أسئلة يطرحها الواقع ربما كان من الصعب الإجابة عليها واقعياً، فجيرت للمحاور المخفي أو المتخفي الذي لا يظهر كما هي أحداث الرواية ، وليس الأمر كما يبدو أبدا ليس كما يبدو.

فهل يمكن للشك أن يقضي على الحب، ينتصر على الإرادة، يسترخص التضحية وتدفع الحياة ثمناً له، إنه السؤال الذي تطرحه وتعالجه الرواية.

وها هي آسيل بطلة الرواية ترفض حياتها المرفهة وتستجيب لنداء قلبها بعد أن رفض والدها خطبتها لمن عشقت الشاب تيم ابن الثري الذي أحبها وأحبته ورحلت معه دون موافقة أو أية إجراءات اجتماعية، فوقعت الكارثة وسببت لنفسها ولأسرتها الجرح الكبير جداً، وفي مجتمعنا هو ليس جرحاً فقط بل نكسة اجتماعية، آسيل تقع فريسة لجواد وهو قريب زوجها تيم، وهو من قدم لهما المساعدة على الهروب والتمرد بل لنقل الرعونة، وعلى كل حال، فالحب يمكن أن يقود الإنسان إلى الهاوية أو إلى الجحيم. 

وهذا ما جرى فعلاً حين أظهر جواد وجهه الحاقد انتقاماً من زوجته التي ضبطها في فعل الخيانة مع شخص مقرب منه جداً، فزرع الحقد في نفسه ما جعله يحاول افتراس آسيل ومن هنا بدأت الرواية تغوص في أفكارها النفسية الاجتماعية والإجرامية أيضاً، لتسقط وجوهاً في دوامة الحدث التي اعتمدت الكاتبة جعله في قفص الاتهام بين أبطالها في تشابك بوليسي للأحداث ليساهم التحقيق في الوصول إلى سلسلة أحداث تصب جميعها عند آسيل وآدام عن بعد أو عن قرب والخفي يدخل في المحارات المعنونة للفصول والحدث يرتبط بالأيام حسب الساعة التي تشير إليها ساعة مدينة المحار باليوم والتاريخ من العام 2010 بدأت المحارة الأولى بعنوان (لؤلؤة الصفقة) ثم اختتمت بفصل عنوانه (لؤلؤة البقعة المضيئة).

هل انتصر الحب أم هزمه الشك، وما الفائدة من انتصاره بعد فوات الأوان، وننوه هنا إلى أن قارئ الرواية لم يخطئ في إدراك أنها تصور بعض المشكلات النفسية، فالصراع الأكبر للإنسان هو مع نفسه ،  ويأتي الوقت كأحد أبطال الرواية فالوقت ليس متاحاً دائماً، إنه ثروة ناضبة ولا يمكن تدويره بل يمكن استثماره فقط.

والإنسان يملك الإرادة والوعي لتطوير نفسه، رحلة البحث عن الذات هدفها في النهاية الخلاص، هي رحلة في عالم النفس الإنسانية.

واذا اكتفينا بهذا العرض الموجز فإن القيمة الحقيقية لهذا العمل تكمن في قراءة الرواية وتحليلها وبذلك يمكننا اكتشاف تفوق الكاتبة ومقدرتها الإبداعية واكتمال تجربتها الفنية وهي تلعب على الخيال والتصور والحدس وجميعها مرادفات لشيء واحد مع ملاحظة أن الأدب طريق من طرق الكشف عن أسرار النفس البشرية بما تحتويه من عاطفة وحب وحقد، شك، فشل، جميع هذه العناصر اجتمعت في رواية ليس الأمر كما يبدو.

لعبت العاطفة دورها مع أسرة (آسيل) التي تجاوزت العار ومع أم تيم التي كانت قد فقدت ابنتها ثم تظهر مع الأحداث حقيقة القضية التي طويت مع الزمن، وثمة شخصيات أخرى لعبت دورها غير المتوقع.

من أنقذ آسيل من الموت والآخر الذي ظهر بوجهه المخيف.

وغيرها من التفاصيل التي لا يمكن سردها ونحن نقوم بالتعريف بهذه الرواية التي كتبتها الروائية جمل ببساطة تظهر مدى الجهد المبذول وبلغة سليمة لا تعقيد فيها وبتسلسل للأحداث وتداخل مركب بين الواقع  الخيال، حيث المزج بينهما تم من صلب الحدث ولم يخرج عنه، وأهمية العمل أنه يقدم للقارئ المتذوق الانفعالات والأحاسيس ويجعله يسرح مع خيالها وفي ذلك يكمن السر الأكبر للذة الأدبية ويبلغ الفن غايته من الإبداع والإمتاع.

ياسمين شعبان

تصفح المزيد..
آخر الأخبار