الوحدة 12-7-2021
غاية النساء جميعاً الجسم المثالي والشباب الدائم, وامرأة اليوم لا تختلف عن امرأة ما قبل التاريخ في سعيها للحصول على مظهر جميل لتبدو أكثر أنوثة وصبا وجاذبية، وأصغر سناً, ملكة النمسا زوجة فيليب الثالث كانت الجوارب الحريرية عدوها اللدود، ولا تقبلها حتى كهدية بسبب كرهها الشديد لساقيها النحيفتين, ومع انتشار التكنولوجيا والفضائيات اتجهت ثقافة الروح نحو الانكماش والتآكل على المستوى الفردي والاجتماعي، واتجهت ثقافة السلعة نحو التمدد والانتشار.
حرب ثقافية باردة لنشر الانحطاط والتهتك والتحلل الأخلاقي لتدمير إنسان وثقافة وحضارة شعوب العالم الثالث، واستهلاكهم، والسيطرة عليهم كشعوب مستلبة العقول, يقدمون لهم وصفات استهلاكية بأساليب مسعورة وسط ركام من القيم المغلوطة والخراب والدمار لزيادة شقاء الإنسان وهمومه, ويديرون ظهورهم لمآسينا ويسلطون كاميراتهم لمخازينا واستفزاز أنظارنا بكل ما هو فاحش فاضح بقوى خفية عالية القدرة والتأثير على عقول الكبار والصغار عبر عارضات أزياء فائقات النجومية يمثلن أدوات للإجبار الاجتماعي صنعتها الرأسمالية للترويج لأسطورة الجمال عبر وسائل الإعلام, يسفرون عن أسلحتهن الاستراتيجية الفتاكة لطغيان الشكل على المضمون ونشر الصرعات وإجبارنا على التقليد الأعمى للغير.. عارضة الأزياء ستيلاوارن سيمفونية متكاملة متناغمة الرشاقة والحسن والبهاء قالت: (إنها تملك من الجاذبية ما يجعل الوحوش تجثو عند قدميها).. فما بالك ببـريتني سبيرز وباريس هيلتون وخلاعتهما وتهتكهما وانحرافهما ووضاعتهما؟!
صورة الجسد وما يرافقها من أزياء ومؤثرات وسيط جاذب وفعال لحمل الرسالة الموجهة للآخر وغزو عقله ووجدانه في مشاهد تفوح منها رائحة الشهوة والجسد تغرق الأعصاب وتفترس الخلايا وتجتاح كل ما هو جميل ورائع في الإنسان… هناك 4000 عارضة أزياء محترفة في الولايات المتحدة الأمريكية يمثلن نوعاً من القوات الخاصة التي يتم نشرها بطريقة تجعل ما يزيد عن 15 مليون فتاة وسيدة يقفن في صف طويل حتى يسعدهن الحظ بالالتحاق بهذه الوحدة الخاصة التي تغزو صورها الأرض بأربع جهاتها, ففي الغرب عموماً يفضلون الطول الفارع والجسم النحيف والخصر النحيل, والمرأة تولع بالجمال الشكلي استجابة لهذه السياط اللاذعة سالكة طريقاً بلا نهاية لتحقيق القبول الاجتماعي وفق معايير من صنع الرجل الذي يرغب في امتلاك الجمال الظاهر المثالي الخالي من العيوب الشكلية, صارفاً النظر عن الروحانية الداخلية…
نجمة الإغراء مارلين مونرو امرأة مغناج صنعت مجدها من جمالها الشهواني ومشيتها المتخلعة المغرية بسبب عاهة من الولادة… المخرج السينمائي الفرنسي الشهير موريس بيالا الذي أخرج فيلم (تحت شمس الشيطان) قال قبل أن يرحل عن هذه الدنيا: (أستطيع أن أبشركم بأن هذا العالم سيكون أكثر جنوناً).
تقليعات الأزياء ساحة مفتوحة لا يحدها حد ووصلت إلى حافة المشاغبة والفوضوية وسطحات الخيال للتعبير المبالغ فيه عن الجسد والجمال, ومصممو الأزيار يستخدمون المخيلة في التعاطي الجسدي مع المرأة و يجهدون عقولهم تغريباً وتشريقاً بالابتكار والتجديد وخلق التصاميم و الموديلات لإظهار الجمال والتركيز على نقاط الإثارة في جسد المرأة في تجسيد حي للأنوثة الصارخة جداً لجذب الرجل, وقد شبه النقاد عارضة الأزياء الصومالية نعومي كامبل: ( بالوردة التي خرجت من الخراب).. عارضة الأزياء الإسبانية (إلسا) التي يدوي في أرجاء جسدها قرع الطبول تحدت ليوناردو دافنشي أن ينحت امرأة مثلها, بينما عارضة الأزياء الفرنسية السمراء نويمي لونار لم تعجبها التسريحة مرة وهي في صالون الحلاقة فأرغمت الحلاق أن يحلق شعرها كاملاً إلى درجة التجمد (الصفر) ومع ذلك ظلت شرسة وجذابة, قالت عن نفسها: ( إنها تشبه اللبوءة حيناً والدجاجة حيناً).
نعمان إبراهيم حميشة