أديبة حسيكة في (صباح بلا عيون)

الوحدة:4-7-2021

الفنون جميعها، وبخاصة الشعر تعتمد على هيكلها لتكتسب جمالها، لأنها ومنذ الأزل كانت تتمحور حول هموم متناوحة تتشابك فيما بينها بعلاقة (السبب والنتيجة)

 ولا يتحقق إحداها إلّا بوجود الآخر.

 والقصيدة تعتمد على مرتكزات متعددة من أهمها: طريقة صياغة الجملة الشعرية،

 فالشعر ليس أرقاماً حسابية تحصرها نظرية ما, أو منطقٌ عقلي ما، وإنما هو فنٌ يتجاوز الحواس الخمس، والقصيدة ترتكز على وجهها الشعري المتجدد والذي يمضي بالقارئ إلى عوالم لم تك معروفة لديه وذلك لخلقه ملامح جديدة.

 وقصائد الشاعرة أديبة حسيكة في مجموعتها (صباح بلا عيون) تلامس هذا الواقع وتنفرد بالكثير من خصائصه..

(صباح بلا عيون) مجموعة شعرية تضم اثنين وأربعين قصيدة موزعة على مئة وإحدى عشرة صفحة من القطع المتوسط.

جاء في الإهداء: أخذت زمناً حتى أيقنت أن ملامح الحبيب لا تطوى بين دفتي كتاب.

 ومنه نكتشف مكنونات القصائد وأين تتمحور وماذا تعالج.

 تقول: سأخطو ميتة إلى حيث أدفن في منفاك ذاتي، سأمزق بين سفر يديك ملامح وجهي القديمة.

 ليس موتاً ما ذهبت إليه الشاعرة بل هو كما قال الحلاج: (نحن روحان حللنا بدناً)

 إنه البعث من الموت، إنه خلق جديد، أحرق ما مضى وغيّر ما كان من أمسه.

 وسيّان عندها ما هو ناتج عن نداءاتها حتى ولو توارت في كل الجهات، وحتى لو صار ليلها عيناً لا تنام…

هي تبحث، بل دائمة البحث عن قلب أوجعه البعد، فراحت كما بصارة تلقي الودع،  على مفارق من قلق، لقد احترق صدرها واشتعل فيه جمر الأمنيات، هكذا فجأة وجدت نفسها قارئة لخطوط الزمان حروفاً تتلظى..

 تقول: وأقرأ خطوط الزمان حرفاً تلظى، وهمساً يداني الروح إذا ما مر نسيم الصوت بنبض الثواني.

ولأنها فتاة شرقية، تتكاثر الأسئلة الاستنكارية، يريدونها أن تعيش أوهاماً وحزناً وخيالات فتتصارع في داخلها الأفكار.

 تقول:  أطير… وأعلو… لا أدري نحو وهم أحجيتي وأسقط حلم شرقية..

 تلك الشرقية التي حملت ولاتزال جرم تفاحتها من عهد آدم النبي إلى يومنا وغدنا، تقول: شرقية … وهي خجل تعدى حدود تفاحي، ورغم القيد في معصميها أرادت لابتسامتها أن تشرق ولو  في كلمات قصيدة.

تقول:  سأقتنص من فضاء القصيدة جناح التمني وأسرق نشوة الحرف المموسق،

 ولأنها شرقية صرخت: آه… لو كانت خاصرتي رملاً ويداك زورقاً ومجدافي ذراع الريح وجنوني عمق مداك الأزرق.

عذبها بُعد الحبيب وأضناها سهر الليالي وتمنت موتها لتبعث بين يديه تقول: أموت على كفيك لأعود إليك وأحلق وأكتب أجمل أشعاري، هي ثائرة على تقاليد أضحت من غابر الأزمان، هي تدعو إلى الانفجار في وجه تلك الموروثات تقول:

أقبضي الجمر بيمناك  ولا تترددي، وتسأل بلهفةٍ حيرى: أما أتعبك الغياب؟

 ألم يضنك البعد وليالي السهر؟

 تقول: وهالني أنك أتيت ماطراً وهاطلاً فهل نضجت ينابيع الهوى من مسام الغياب؟

هي صادقة في حبها لا تعرف الختل ولا التلوين ولا تجيد الرقص على الحبال، وتسأل بمرارة كيف أضاعت خطوها في دروبها.

 تقول: ماذا أقول لدمع الزنابق حين يهز علي النداء؟ ماذا تقول الدروب حين تضل الخطو إليك؟ وماذا تقول الحروف إذا ما ضج عطرك من نظرتين غارقتين برعشة ضوء إلى مستقرِّ اشتياقك؟

 ولأنها في زمان ردئ ولا شيء يتغير تخبرنا أنها ملت وليست أهلاً لهذه الحياة، هي من عالم آخر مختلف: لسنا أهلاً للبقاء، افترش يا صاح دمك تلك الخميلة ما ارتوت، إذاً هو يباب العمر وقحل أيامه الراحلة.

 ولأنها صادقة اكتشفت أن الحبيب يجيد الرقص على كل الأمواج  ولكم آلمها ذلك:

أرقص على إيقاع الماء، أنا الليلة المحمومة بالبلل.

 ولعل قصيدة (وأنتظر فيك), من أجمل قصائد المجموعة إذ بثت فيها لواعجها وقذفت فيها كل ملكاتها اللغوية وصورها الحسية تقول: طويلاً كان لي في حبك عمر وكان القصيد غوايتي، وكنت كلني في سماء وحدتي، واحداً أشكوه ذنبي، حين تاهت نجمتي ولمست بهجرك الفتات قلبي فانشطر.

ولأنها على قلق جاءت بعض قصائدها قلقة أرّقها الليل وأتعبها السهر…

تقول: مسكينٌ بحر الأرق يتنفس من صيف رئتي بين القاع وقصيدتي شهقة من زمن..

 أختتم قراءتي بقصيدة (إليك) والتي تقول فيها: إليك أصعد فجري، فإن تأخرت بعينيك ونجم ناعسٌ في مقلتي لاح.

 خاب في قمري سهرى وخاب شوق مني باح وجعي لو سلا منك قليلك لاستراح قلبي وأراح.

لو تدري أول الأنوار ليلُك. وآخر ليلك صباح.

سيف الدين راعي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار