الوحدة: 24-6-2021
في ذاكرته متسع من عبق التاريخ وألق الحضارة، إرث متكامل من ماضي الأجداد وأصالته امتد ليعانق الحاضر بزادٍ معرفي وأبجدية قدمت للعالم أصول التواصل ولغة الحوار .. من هنا نشأت العلاقة بين الإنسان والحضارة وتجسدت عشقاً ترجمه الباحث التاريخي غسان القيم بارتباطه بأوغاريت – مدينة الحضارة والتاريخ – ودونه في أبحاثه وأعماله التي وثقت الحياة الأوغاريتية بمختلف جوانبها.
في هذه السطور، جريدة الوحدة رافقت الباحث غسان القيم في محاضرته التي أقيمت في دار الأسد للثقافة برعاية مديرية ثقافة اللاذقية بعنوان: أوغاريت حكاية عشق، ونقتطف منها المحاور الآتية:
أوغاريت – المدينة العظيمة – التي تجاوز عشقي لها أكثر من ربع قرن.. كمدير ومنقب ومرمم ومتابع لأهم مكتشفاتها العظيمة، لقد مضى على اكتشاف أوغاريت ثلاثة وتسعون عاماً، تم اكتشاف آلاف الرقم الفخارية التي دون عليها أهلها تاريخهم الطويل وتعتبر سجلاً أميناً لتاريخها.
وخلال هذه السنوات على بدء أعمال الكشف والتنقيب الأثري الذي حصل في أوغاريت خلالها أقول: لاتزال أكثر من ثلاثة أرباع مساحة مدينة أوغاريت ترقد تحت عبء التل الأثري وعبء أسنان أكثر من ثمانية آلاف عام من السكن.. هذه المساحة المتبقية تكفي لمئات السنين من الأبحاث والدراسات العلمية والبحثية وأعمال التنقيب إذ ان ترجمة آلاف الألواح الفخارية التي عثر عليها لازال الكثير منها قيد الدراسة والترجمة وتحتاج إلى وقت طويل لترجمتها ومع كل لوح جديد تتم ترجمته يزيدنا معرفة بهذه المدينة العظيمة عن حياتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والروحية خاصة خلال الفترة الذهبية لازدهار أوغاريت خلال النصف الثاني قبل الميلاد.
هذه المعارف والمعلومات التي غيّرت نظرة العالم إلى تاريخ الشرق الأوسط الذي كتب من جديد بعد اكتشاف أوغاريت.. هذه المدينة التي أعادت للتاريخ السوري ألقه وحيويته وجوهره.. طبعاً لا شك احتلت أبجديتها التي كانت ثورة المعلوماتية الأولى بكل ما تعني هذه الكلمة من دلالات واللوح الذي دونت عليه أول نوتة موسيقية حتى الآن.
لقد كتب عن هذه الحضارة ما يفوق جميع ما كتب عن كل حضارات الممالك التي اكتشفت على هذه الأرض الطيبة، لقد عاشت هذه الحضارة عصرها الذهبي الذي امتد من ١٥٠٠ ق.م إلى ١٢٠٠ ق.م نهاية الدمار النهائي لها ، وما زال مجال الشك والحيرة قائماً عن أسباب دمارها، هل هي بفعل زلزال أم غزو بشري الذي أسند لشعوب البحر أم هي عوامل الجفاف الشديد الذي ضرب المنطقة والمجاعة ومرض الطاعون كلها أسباب اجتمعت وأطلقت على المدينة رصاصة الرحمة.
سننتظر ربما الأيام القادمة تخبرنا عن ذلك بما توفر من أدلة وترجمة ما تبقى من رقم لم تترجم حتى الآن.
كما أغنى الباحث غسان القيم المحاضرة بتقديم هذا النص الذي يتضمن طقساً روحياً لدعاء أو صلاة يلتمس فيها أصحاب الدعاء بأن يحمي الملك ويعيش حياة طويلة مديدة، وأن تباركه الآلهة وتمنحه رعايتها.. يقول النص:
عش أيامك سيدي.. لتكن أيامك مديدة طويلة!
لتتجدد أعوامك دوماً!
ليباركك الرب بفمه الحلو!
لتباركك آلهة الأرض..
لتعطيك سيدة الآلهة عشتار السيدة العظيمة القوة الجنسية!
ليفتح لك سيد الينابيع بنبعه!
لتنيرك شمس راعية الأراضي مثل النهار الساطع!
ليكتب نيو سيد الكتّاب أيامك القادمة، مستقبلك..
لتقوي الآلهة قوتك..
لتحيطك عشتار.. العظيمة باللمعان!
ليعطيك الليل لمعانه المخيف!
لتعطيك السهوب كل خصوبتها!
أنا أريد أن أعطيك مثل الأنهار الخصوبة
مثل الماء لتكن حياة الأرض..
ليسقط عليك مطر غزير من السماء!
لتنبت لديك نبتة سرور القلب!
لتجلب لك الجبال كل عطاياها!
لتجلب لك الأنهار محاصيلها!
من عام إلى عام من شهر إلى شهر..
من يوم إلى يوم ليعطي لك الحياة..
الجدير بالذكر أن الباحث غسان القيم يعمل في المديرية العامة للآثار والمتاحف منذ أكثر من ثلاثين عاماً كمدير لآثار أوغاريت، درس في جامعة دمشق قسم التاريخ وهو عاشق للثقافة والتراث والآثار عامة وحضارة أوغاريت خاصة هذه المدينة العظيمة بما قدمته عبر سنواتها المديدة من إبداعات بشرية وإنسانية وفكرية قدمتها للعالم أجمع، شارك العمل الأثري مع الكثير من البعثات الأجنبة والوطنية السورية وكان عضواً فيها ، وله المئات من الدراسات والمقالات المنشورة في الصحف السورية والعربية أغلبها يتعلق بتاريخ مملكة أوغاريت والتراث السوري.
ريم ديب