الوحدة : 19-6-2021
قال في سرّه: أستطيع التًّخلي عن شراء حذاءٍ جديدٍ, فيما الميتُ لا غنى له عن كفنٍ يستره.
وهكذا أخذ يجمع حاجيات الدَّ فن مع كلّ خطوةٍ يخطوها أو فكرةٍ تدور برأسه, إلى أن اكتمل كلُّ شيء, بما في ذلك حفرة القبر وحجارته.
في السّاعات المتأخرة من الليلة الماضية, فوجىء بقرع الباب المصحوب بصوتٍ يعلو ثقةً ويقول: ما من داعٍ لفتح بابك. جئت أخبرك فقط أن مراسم الدفن قد تغيّرت وصار الموت جماعياً توفيراً للنفقات ومواجهة الغلاء, وما من ضرورةٍ لأدوات موتك, وإلاّ فستعيش نصف حياة ونصف موت.
الرطوبة تركت أغراضه تلتصق, فراح يبذل الجهد لانتزاعها من أرضية المنزل بحركاتٍ مرتبكةٍ, فالمكان حقّاً كمقبرة!
ولانشغاله لم ينتبه إلى الطّرق العنيف على النّوافذ, ليزداد بازدياد الأشخاص, وهم يرددون عبارةً تقول: هذا الرّجل نصف ميتٍ ونصف حيٍّ, مع أننا في ليلة رأس السنة؟!
قال آخر: لعله نائمٌ ولم يسمع الأعيرة الناريّة والمفرقعات, مع أنَّها حولت الليلة إلى رعبٍ حقيقيٍّ, وكأنهم يطلقون رصاصات الرحمة على السنة المنصرمة, وهي بحاجة لهذا الكفن الملقى على الأرض ههه..ههه! ردّ عليهم بصوتٍ خفيضٍ: لو كان الموت بالغناء, لما بقي أحدٌ لا يغنِّي بعد أن تفرّق الجميع, أطرق مليّا ثم قال: حتى في الموت الجماعي لا بدَّ من اختيار قائمة موفقةٍ بالموتى, وهي وصيةٌ يجب التّعامل معها كباقة أزهارٍ متناسقة اللون والشكل والعبق.
ما كاد يكمل وصيته حتى فوجىء بالناس مرّةً أخرى من حوله وهم يقولون له: افتقدناك ليومين متتالين, وها نحن نوقظك.
قال أقرب جيرانه مقهقهاً: في يومٍ قادمٍ, لا حاجة لإيقاظه.
انصرف الجميع وبقي هو يدندن لوحده بأغنيةٍ فقد معظم لحنها.
سمير عوض